بقلم الدكتور حمزه علاوي مسربت - العراق.
أيها الغائب مهلا ...
هاك حرفي يلتف
حول اناملك ...
أيقونة العجائب
نسيج ابجديتك ...
حقل يرتع بزهو الغبش
يلاطف وجنات الورد
سرمدي الضوء
بلا منازع ..
يلتهب بوريقات الكتب
المنسية ..
يناديني ...كم مرة
روحي أقام كرنفال الفرح ...
فسقط مغشيا عليه ..
في المساءات المقيمة
يبتاع نبيذ الغربة
في متاهة الدروب ..
هواجس خرساء
غربان تُحلق ..
تتهاوى ...
فيكتظ النشيج
قاتم بعيون الصباحات ..
قيود ازرَت بمعصمي
آثَرَتها الأوقات
فأقاوم الزمن ..
أَفّك آسر الأنامل
لتناغي الانبعاث
بأوصال الجسد
لعلها تنام
قريرة على الذراع
بتناهيد الأنفاس
أشهقها ... زفرات
فيشيخ عندها الحلم
تراتيل مغيبة
كعاشق أرداه الحب
طريح التيم ...
يا أيها الغائب مهلا ...
صفير الريح غريب
بلا شفاه ..
مسامع الصمت تمزقت
تنكرت لها الالحان ...
تستهل الشاعرة #عطايا# قصيدتها بنداء يحمل دلالة التنبية للغائب عن الرؤيا .. الحاضر في احاسيسها.. الغافي على ضفاف شفاها ..عائم بين التودد والرفق . يستوطن النداء بين البطأ والتعجيل .. خطوات تسابق الرحيل ، يتبعها صوت محفوف الانفعال ..حامل حرفه المهدى اليه كي يعانق انامله بلفة لولبية تنم عن عناق لا متناهي .. عن انبعاث يمتد ويهيج الاحساس ، يوازي نبض الوريد .. يرسل ايقاعاته عبره الى القلب ، يملأه حبا فاض من حروفها ؛ هنا تتزاوج لغة الاحساس والوجد مع لغة الحروف اللفظية . تنقل الشاعرة لغتها البلاغية في التشبيه من اللفظ الى السيمياء -الايقونه - التي تحمل وجهين ؛ الدال شكلا والمدلول الصورة الذهنية التي تمثل العاشق وعناصره العاطفية . جعلت الشاعرة من حروفها خيوطا مغزلية ينسج المعشوق عليها ابجدياته ؛ التوشيج والعناق ومنهما دلالة الحياة . تنوع الشاعرة من صورها الشعرية من العلاماتية -الايقونة-الى الصورة الحسية . تتخذ من الغبش دلالة التحول الزمني الذي يخالط فيه الفجر بياضه مع بقية ظلمة الليل ؛ وهذا ما يمنح النص حركة ديناميكية مابين الضوء والظلام -الابيض والاسود ، ويعزز من علاقة الصور مع بعضها ضمن البناء الشعري للنص . يلاطف الفجر بنسيمه المرابع الخضراء ، وتخرج الاحياء من سباتها ، وتغازل الفراشات السنابل المتمايلة مع خيوط الفجر ؛كل ذلك يعبر عن دغدغة احساسيس المعشوق والانعتاق من اسواره . تستخدم الشاعرة مفردات -الغبش ، الورد ، الضوء - رموزا جمالية طبيعية يزهو بها النص ما بين المتغير والسرمدي اللامتناهي ؛ فضلا عن العلاقة التعبيرية بينهم . توظف ثنائية البقاء-احرفها ، والفناء- الوريقات ، ومابين الذكرى والنسيان تحط جملها الشعرية . تلألأ حروفها كشرارات جمر ساطعة الضوء . تتخذ من لفظة -بلا منازع -دلالة الثقة بالذات والتوكيد على نبض حروفها. يمنح الحرف جسرا من التواصل اللفظي والذهني ؛وهذا ما يعزز الحوار الايحائي ما بين الرؤية البصرية والصورة الفكرية التي تنساب من خلال الحرف ، ليترجمها القارىء ضمن الادراك الحسي . يناغيها حرفها في سؤال خبري عن كرنفالات الفرح ، لكنه يسقط مغمى عليه . تستخدم الشاعرة ثنائية الفرح والاغماء/ الوعي واللاوعي / الرؤية والضبابية حتى تتمكن من معادلة الابعاد النفسية التي تصارع حرفها . تعاود الشاعرة وتستخدم المقابلة اللفظية ما بين الغربة والمتاهة : فالغربة الصراع بين الذات والموضوع-الواقع ، اما المتاهة : تلاشي الحدود بين الواقع والخيال ، الوعي واللاوعي ، هذه المفردات النفسية تحمل دلالة القلق والصراع الذاتي للشاعرة ؛ كل ذلك يدل على غربة واغتراب حرفها . تتخذ من -الهواجس-دلالة القلق والخوف ، والتعبير عن الطاقة السلبية لها ؛ وكذلك من -الغربان-دلالة ترمز الى التشاؤم والمكر . تمنح النص الحركة من خلال طيران الغربان التي تمثل جسرا من التواصل بين العالم السماوي والدنيوي في طيرانها ، كما انها تمثل التحول من المادي 'الجسد' الى الروحي -الموت الذي تنذر به ، ووفقا لذلك يزداد البكاء في حالة من التموج ، وهذا ما يوازي ايقاعات القلب ، فكلاهما مكنونان في صدرها . تعبر هذه الدلالات عن الصراع النفسي مع ما ينتابها من هواجس فكرية . تنتقل من مما اصاب القلب والفكر الى ما اصاب المعصمين من قيود قيدتها ، واحتضنتها الاوقات . تتحدى الصعاب وتقام الزمن ، وتعتق اناملها وتدع للحرف حرية ، ليكتب مايشاء من عتاب وخطاب . تستخدم الشاعرة ثنائية الوقت والزمن ؛ وقت الانسان المحدد وزمن الوجود المطلق ؛ الزمن الابدي ، اي ما بين المحدود- الوقت- والمحسوس- الزمن - وذلك من اجل زيادة البعد البلاغي للنص وزيادة المتعة الحسية والجمالية لقراءته . ارادت ان تخرج مما يتحكم بمشاعرها الى المطلق اللامحدود من الحرية . توظف الترادف اللفظي ما بين -آسر ، ازر- كي تشد من أزر القراءة الجمالية الايقاعية للنص. تمنح الشاعرة ديناميكية التواصل بين الانامل والجسد والتفاعل الحسي ، والشعور بوجودها المادي والفكري ؛كل ذلك يؤدي الى فيض من الحروف التي تواشجت مع الفكر وخطت ماترنو اليه على صفحات الحياة . تعمل الشاعرة على اثارة الحالة الوجدانية من خلال المناغاة التي تحمل دلالة الاسلوب الايمائي الحركي الذي يعزز الايقاع الصوتي الداخلي للنص ، والاسترخاء الحسي ؛ وتمنح الملاطفة بين الانامل واوصال الجسد ؛ بين الشاعرة وافكارها التي تعج بها صومعتها الذهنية . تستوطن النشوة مابين الانامل والذراع ؛انه التلاقي وما تتمناه في حضرة الآخر. توظف المفردات : التناهيد ،الشهقات والزفرات كايقاعات موسيقية داخلية توازي الايقاعات الخارجية من التراكيب اللغوية للنص ،فضلا عن ابعادها النفسية ؛ انها اللغة الصوتية غير اللفظية التى توازي الفاظ النص ، وهذا ما يمنح النص التوازن في الدلالات الصوتية . بات الحلم على هاوية من الكبر ، غيبت التراتيل ، و اختفت اللغة الصوتية ، والنغمة الجميلة . شبهت الشاعرة التراتيل كعاشق اصابه الحب في عالم من الهيام :اي غياب اللغة الايقاعية ، والقدرة العقلية ؛انه جنون العشق . تعاود الشاعرة تكرار ما بدأت به من النداء التنبيهي ، من اجل الحفاظ على فكرة النص ، فضلا عن توالي الانساق ضمن بنية النص ، وشد انتباه القارىء ، واعادة حساباته الفكرية لتذوق النص جماليا . توظف الكناية من خلال صفير الريح ، فما ترمي اليه الصمت الساكن على شفاة الغائب عن الرؤية ؛ فالصفير لا يخرج من شفتاه ، بل عابر لها ، هذا الصفير يعمل على تفعيل الايقاعات الصوتية للقصيدة . اختتمت الشاعرة نصها بثنائية الغريب - حضور الريح المتغربة ، والقريب - الشفاة المؤصدة وغياب اللغة الصوتية ؛ كل شيء توارى في عالم التغريب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق