في قصيدة "حديث النورس "للشاعرة العراقية "عطايا الله"يمتزج الحكي بعلياء الإيقاع، وعبر المعنى المركب رمزيا تتشكل ثلاث لوحات مشهدية متلاحقة ؛ ففي وضعها الأصلي والافتتاحي تتمظهر حالة السكون والترقب ، في قدسية الفضاء المفتوح على المغامرة:
موج هادئ
يلاطف الساحل
حكايا عشاق
ينتظر المد...للنهايات
في انتظار المد...مد الرغبة والانعتاق من حالة الكمون، فالذات الساردة متشوقة للانخراط في عالم الحركة،فكان المشهد الثاني مفتتحا بهمسة وخطوة ، فكانت الانطلاقة نحو عناق الحياة:
صوت سفن
مبحرة نحو اللانهاية
مرساة الإبحار
تغرق في المدى الشواطئ
تهفو الذات الساردة إلى الانشراح مع الوجود؛غير عابئة بالمجاهيل التي ينتظرها :
ريح...تتعالى
هدهدات
متلهفة لاحتضان
الأفق البعيد
وفي المشهد الاختتامي كل ذلك الرجاء لم يأت مبشرا باللقاء والوصول :
في غور الزرقة الحالكة
تبكي ليلا عميق السهاد
لا صوت لثرثرات المرافئ
لا نهايات للمطاف
إننا أمام رسم رمزي للذات المأزومة، وتوصيف دلالي عميق لوجهات الانغلاق والترقب المفلس؛ فالحياة تعاش فعليا بانكساراتها، وهزائمها،ولابد من مواجهة المخاوف الكامنة في الصدور لتجاوز ذلك الخراب النفسي :
والمراسي أغرقها
هدير روحي
في يمها العميق
عبر اللغة الرمزية الكثيفة تتكشف حمولة اليأس والعجز في تجسيد رغبة الانعتاق، فبقيت مجرد أمنية، بينما التدفق الإيقاعي فكان متباينا، ففي المشهد الافتتاحي كان بطيئا، وبقية المشاهد كان سريعا، مجاريا لحالة اللهفة في تحقيق المراد.
في القصيدة تكثيف للأدوار، في ثنائيات البحر/العالم،السفن/الذات، الريح/المثبط النفسي، الأفق/تحقيق الرغبة؛ فكان فضاء القصيدة ذا واجهة ظاهرة غير معني بالدلالة،وواجهة باطنة وهو المعني بسؤال الذات الحائرة؛ عبر امتدادات مجازية توحي بانتكاسة، وعدم نضج المسار لافتكاك رخصة الانعتاق من هواجس الذات (مصطفى ولديوسف )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق