صور الحزن والشجن والأنا في رائعة ((البكاء بطريقة خاصة))
نص الشاعرة ميلينا مطانيوس عيسى
2018 أياد النصيري
*************************
البكاء حالة يمر بها الأنسان وأهم شيء هو الوظيفة النفسية التي تلعبها الدموع في حياة الأنسان--وللبكاء حالات كثيرة وتوصيفات هناك دموع العاطفة والتي تحوي مستويات عالية من البرولاكتين ومن هرمونات التّوتر(الشدة) من هنا لابد ان نستفهم المعنى الحقيقي لتلك الطريقة التي ادت الشاعرة فيها وجعها وتذمرها وحالة البكاء التي إنتابتها
كي تقرأ قصيدة ((ملينيا)) عليك أن تعرفها شاعرة تروي القصيدة أوجاعها وتحكي المفردات صباحات بنفسجة قلبها الذي تعطر اللحظات باللهفة والمتعة الناضجة على موقد الوعي
حيث تجعلنا الشاعرة ((ميلينامطانيوس عيسى ) في نصها ((البكاء بطريقة خاصة)نقتحم عالمها المشبع بالفقد وجنون اللحظة المبدعة والخلاقة لموسيقى شاعرة تخترق جدار صوت الأنا ليكون للحضور جمال آخر وللفقد معنى الوجود وللصورة أرض تحتضن حركة محمومة لحيرة شاعرة فقدت اناها
وللمعنى ياء تحدد هوية الكلمة ووجودها ففي ظل احتراق ((أنا))الكلمة يغيب المنادى ويبقى النداء صوت بدون صورة ومعنى فقد الكلام وكلمة (( تلّوحُ بيديها وتبكي )هي الحالةالتي تغادرنا ليبقى الفقد سيدا والحضور غياب والمحتوى سراب كلمة وعطر لمعنى وذِكر له صمت الذكريات . قفلة ونوتة موسيقية تعبر عن شجن الشاعرة واختفاء الكلمة الاسم ليبقى المعنى وجعا ينزف حيرة تذوب فيه الأنا لقد حولت الشاعرة البكاء بنصها الشعري الى طرق متنوعة انتجتها بطريقة خاصة تختلف عن المعنى الاساسي لمفردة البكاء لإمرأة حالمة متوجعة مغردة تواقة للسعادة والحرية في طريقة البكاء والمنتمية لكل الأشياء الجميلة في (الإنتماء)، إلى محرض على البكاء والغناء الحزين في انينها ولِمَ لا، فقد سقط الحلم الجميل أمام عينيها سقوطا مروعا ومفاجئا ، مخلفا وراءه آهة حارة متأججة، ألما على ماضاع وحزنا على ماجرى انظروا كيف تبكي وما ألم بها في هذا الوضع وتلك الكلمات وهي تنفث آهاتها ومواجعها
آسفة لأنّ أنيني لم يعدْ
يجدي
و أنّني لم أعدْ أرى إلّا طفلةً
في المدى
تلّوحُ بيديها وتبكي:
لا تنسي ذكرياتي الماضيةَ
لا تنسي الصلاةَ كلّ ليلةٍ
لأجل من أحبّتْ الشتاءَ
مقابلَ غفوةٍ في أرجوحتِها
------------
أمام حيرة وجودية تجعل من الشاعرة ساحة تتفاعل على أطرافها نقاط استفهام تناشدها الإجابة وأمام عطش وتشرذم الذات لمشاعر حب خلقت بها لتحيا معها،ومن أجل أن تحصر هذه الأزمة التي تتفاعل معها ذاتها ، يلقي السؤال ((لماذا ارادت الموت بهدوء؟))بعد أن عجزت عن أيجاد الحل لكل ما يدور حولها من الألم والوجع ،وهذا سؤال ارتدادي كي تبعد نفسها عن كل هذا المخاض الذي تعيشه ، أو من أجل أن تعيد موضعها ما تشعر به من حزن نجد الشاعرة تحتمي بواقعها بين اولادها وزوجها كي تخلق الكلمة المعنى والقصيدة الأنثى وتتوارى من واقع حال تعيشه لتبحث عن مآل تصبو إليها ولحظة سعادة تخلد إليها وللأيحاء شفافية وللإبداع معنى وللصورة رمز وللكلمة تجليات استعملتها الشاعرة ((ميلينا)) لتفصح عن وجود يسكنها وعن حزن لا تعرف له فراق وعن حب أقام فيها وتخللها لا تدرك له بداية ولا نهاية ليصبح جزءا منها وهي التي ارادت الموت على طريقة تمنتها في غاية من الخيال الانعكاسي وهو الموت الجمعي الموت بهدوء كي لاتبقى حسرة في روحها وحلم لم تشاهده حتى في خيالها
جرائد باتَ طاعنا ً
أردتُ الموتَ بهدوءٍ مع
أولادي وزوجي
فأبتْ أصابعي إلّا أن تلعبَ
دورَ الأنثى فوق أوراقي
-----------------
ختزلت القصيدة معاناة الشاعرة في حياتها كي يسري بنا خيالها ويعرج من أرض الواقع إلى سماء حقيقة عرفها الأنسان في يوم من الأيام ليعيش لحظة تجلي على أرض قصيدة أرهقت روحها فأرهقتها، أرقتها الذكريات فأرقت روحها وبيتها ومحيط اسرتها مزجت بين الحقيقة والواقع وكان الخيال حاضرا بينهما يوقد شموع الرؤيا ليتوقف الزمان على أرض خلقت لتكون الثابت المتحرك تشهد أحداثا تتكرر ولا ينقضي أمدها فمع كل بكائية من لوحات النص الشعري لدى ((ميلينا )) تولد صورة جديدة عبر مراحل حياتها تنزف اوجاعها ومرارة الفقد من مراحل سني عمرها حيث عبرت بالصنم كحالة جمادية في معبد الحب القدسي كي تشهد عذابها الروحي ليبقى الحزن واحدا يتماهى مع ألوان الطبيعة ويمتزج البكاء مع شحوب القمر الليلي ليرسم صورته البهية بذلك الانتحاب للغسق الفجري حيث تبيض خلايا الذاكرة تارة وتصفر أخرى تحت وطأة احتراق النفس مع ذكريات تشظت امام حالة اللاحب التي تنشدها بكل عذوبة وحنان حيث نرى
الشاعرة استطاعت أن تصل إلى مغزى عن طريق دلالات التي يتم عن طريقها تحقيق المنهج السيميائي بعد أن كشفت وظائف رمزية في النص وتعلن عنه من خلال مكونات الدلالية والمعنى حيث أنها بقدر ما خلقت نص علني بقت محتفظة بأنزياحات تخيليه من خلال دلالة أحساسات الحزن الذي يدور حولها والمدلول ما تشعر به من الداخل بهذا حققت ازدواج دلالي من خلال تحريك اللغة في تحويل الحدث الشعوري مع الحدث الزمنكاني وفق نسق إدراكي تسقط عليها انفعالاتها ويشكل من هذه الانفعالات نص شعري محتدم بالرمز والإشارات اللغوية ضمن مخيلتها الشعرية وعواطفها
حالةُ اللاحب؛
أعتقدُ أنّي صنمٌ في معبدٍ
بالأمس كان مضجعاً لملكٍ
وجارياتٍ
وُلِدْن قبل البكاءِ بسطرٍ
قبل شحوبِ القمرِ بأعوامٍ
ليُقتَلْن كانتحابِ الغسق
-----------------
تخرق الشاعرة لغة المألوف وهي تمتطي صهوة الانزياح، بخرق ألفة العلاقات التي من المفروض أن تحصل على المستوى المباشر بين الألفاظ، لتعلن لغتُها منذ الوهلة الأولى عن شعريتها، واعية كل الوعي أن الشاعر هو من يمتلك القدرة على تشكيل اللغة جماليا بما يتجاوز إطار المألوفات، لاجتذاب المتلقي وإعلامه أن ما سيتلقاه نص إبداعي تنزاح اللغة فيه عن معيارها، تخرج عن مدلولاتها المعجمية لتفجر أمامه عالما رحبا من الخيال تجعله منذ البداية منتجا للنص وليس مجرد متلق له نراها هنا تبث لواعجها، وتنشر على كلماتها مراسيم حزنها لما تعيشه من وحدة أدمت وجدانها، إذ نراها تسبح في أمواج الرومانسية الحزينة و تعيش الغربة المشوبة بالألم، فترى نفسها تسكن بهذا العالم كائنا مهجوراً، ضغطت عليه لواعج الزمن وأضرار المحن وهي الحالمة بودها أن تعيش عالماً يشع بالأمل وقد ذكرت الشاعرة رموز الظلم والطغيان منها حاكم ظالم وهو يلتهم البراءة الذي يمثل رمز التدمير تدمير لغة حب نقية اضاعتها ساعة شهوة عابرة في استسلام وخنوع وخضوع دون شروط وهو يمتطي صهوة الهيمنة والتسلط
هل أحبُّ الحياةَ
وأنا زوجةُ حاكمٍ ظالمٍ
لعبَ بصمتٍ قاتلٍ ليربحَ
ليلةَ أرقٍ
أم أجبرُه على محبتي وأنا
امرأةٌ أضاعتْ رشدَها
بشهوةٍ حافيةٍ ؟
--------------
الشاعرة هنا تطرح الأسباب التي تسبب البكاء والدمع والأحزان حولها وهنا يتخذ البكاءأشكال الدمع في المآقي لأن لم يعد هناك انفراج لكل هذه الأحزان وكأنها أصبحت الحالة المقدسة والملازمة لحياتها -هذا المقطع الشعري الاخير وهو من اكثرواكبر المقاطع الذي تبث الشاعرة فيه لواعجها وحزنها واحلامها واعترافاتها والذي يميز نص الشاعرة هي تلك الحرارة والصدق باكتشاف ما يؤثر على جوهر وجودها الإنساني ،وهي متوسدة الآهات والأنين ويتطور إلى حد تقوم بثقب القلب وهذا ما يجعلها تنزف الدم أي أن هذه الأحزان سببت الألم الداخلي بقدر ما سببت الظاهر من الدمع وهذا أشارة دلالية بالتصاقها داخل أحساسات ذاتها من الداخل والشاعرة تريد أن تبني رؤاها حسب المؤثرات و الأفعال المنعكسة في تصورها الذهني من داخل مشاعرها وهذا ما يحرك أحساسها الشعوري المركب من توهج الذات بمعناها، والتي تفجرها المرئيات التحسسية والتوترات التي تتكون على شكل دفق صوري من خلال المسميات الحضورية ورموزها الدلالية (.
في الخريفِ الماضي تساقطتْ
أوراقي
حمّلتْني في حقيبتي وصيتين
دعَوْتِني قرويةً ماكرةً
تخبئُ في مقلتيها أشياءً
وأشياء )نجد في هذا النص تفاعل المفردات اللغوية مع بعضها وما تشكل نسيج إيقاعي مؤثر ضمن صياغة المعنى الداخلي لها . وقد أستطاعت أن تحقق الإشارة المعنوية من أجل أن تحقق الانفراج التأويلي في امتداد البؤرة النصية لكي تتحكم بالدالة و يكون المعنى بطريقة شفافية الانفعال ووضوحه مع كل الرموز التعبيرية أي أنها تلقائية ودون تكليف في أجاد المعنى وشفافيته
أعلمُ
صراخي لن يفيدَ
أنا لستُ امرأةً تخضعُ
لشراهةِ الرجالِ
عبادتي ليستْ طقسا ً
يحتّمُ عليَّ
إنّما حبةُ قمحٍ وُلِدتْ
في حوارٍ طويلٍ على الشاطئِ
وُجِدتْ زنبقةٌ عمرُها سنتان
تحيكُ بيتا ً جديدا ً للسنونو
تشعلُ صرخةَ ألمٍ في كلّ
غصنٍ من أشجارِ غربتِها
تعاتبُ الآلهةَ كلّ شفقٍ:
في الخريفِ الماضي تساقطتْ
أوراقي
حمّلتْني في حقيبتي وصيتين
دعَوْتِني قرويةً ماكرةً
تخبئُ في مقلتيها أشياءً
وأشياء
فهل تمنحيني فرصتي
الأخيرةَ؟
------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق