• بعدما تكدست الأحزان بداخلي و ترسبت كشوائب بقاع نهر غزير المجرى..قررت السفر بعيدا عن كل شيء...بعيدا عن وجوه لم تقدم لي سوى الخيبات و الآلام...و ركود أيام كمياه مستنقع عطنة مياهه...حملت حقيبتي التي أودعتها بعضا من كتب للقراءة و أخذت ما تبقى مني إذ تركت الكثير منها هنا في هذا المكان الذي لا يعرف غير أنانية حقيرة و نفاق أحمق..قررت ترك كل شيء ورائي..سأمحو ذكريات زائفة من صداقة واهية و حب زرعته و لم يؤتي أكله..ها أنا أقدم ماضي للغربان على طبق مزركش..علي أعيش الهدوء و السكينة بمكان غير هذا..مكان لا أصاحب بني البشر فيه غير الواجب المحتم و المعاملات المفروضة...سأنعم بالوحدة بالسلام تاركا كل ما عشت من سواد و ما فعلت من فوضى الشبيهة بالزوبعة..إني لم أرض نفسي قط و أنا بهذه الحياة..سأفعل ما أريد و لا أبالي...لا أبالي بما يقوله الناس عني...سأحاول أن أكون أنا بين كل الأشياء الدائرة بي و الشخوص الذين هم من حولي..خرجت من بيتي تعبا من التفكير في هذا الرحيل القاتل..و لكن رغم كل هذا وجدت في داخلي شجاعة ساعدتني في بلوغ مأربي..و حين وصولي إلى محطة القطار وجدتها فارغة إلا من شخص واحد كان يشبهني كأنه توأمي..وجدته جالسا و رأسه بين يديه...رفعت رأسي حينها إلى الساعة فوجدت أن موعد القطار قد فات...جلست بجانب ذلك الشخص..فقال أنه أتى في نفس موعد القطار و لكنه لم يستطع الصعود إليه إذ أحس بأشخاص كثر يمسكونه من طيات ثوبه بإلحاح شديد لا يريدون رحيله و لن يستطعوا العيش بدونه...تفرست سحنته جيدا...كان مرٱة فحسب..فأدركت أنه أنا أو جزء مني يأبى الرحيل...صمت حينها إذ زالت إرادتي في السفر و انطفأت جذوة إصراري بعدما عرفت أن كل القطارات قد مرت و كل المواعيد قد ألغيت...قد فات الأوان الآن... فلم أدرك إلا و أنا آخذ بعضي و أرجع لأكمل أيامي الباقية كما بدأتها و أنا أرتل:ليس كل ما يتمناه المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
بقلم الأستاذ:مصطفى خالد بن عمارة. تيارت/الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق