قصة قصيرة بعنوان // آية الكرسي // بقلم الأستاذ // عبد الزهرة خالد

. . ليست هناك تعليقات:

قصة قصيرة
آية الكرسي
بقلم : عبدالزهرة خالد
———————
سألته قبل أن يمسح دموعه بيده اليمين:" ما بالك يا جدو؟". أجابني بنبرة فيها حسرة خوفٍ من مجهول:" أمي تجبرني على الذهاب إلى فرن ( الصمون ) على الطريق، و أخاف أن تهاجمني الكلاب السائبة، وأنا طفل صغير". قلت بعد ما جهزت له دراجته الهوائية:"جدو، لا تخف، علاج الخوف بسيط لا يحتاج إلى شيء".
كان في بالي أن أجعل حفيدي يعتنق الدنيا بحبل من بركات، وأحاول أن أسلخ زغب الخوف من حياته دون أن يفرز ملامح وجهه من سطح المرايا كي يستشعر بالعقل ويتذوق الشعور بالأمان .
وقفنا خلف الباب وقد أخذ مقود دراجته ينتظر ما أقول.
قلت له:" ما أجمل هذه الصدفة! ليلة البارحة حلمت كأنني رأيت عددا كبيرا من الكلاب نائمة على جانبي الطريق المزين بأشجار التوت، وأنا أسيرُ باتجاه شارع ترابي، ولا أعرف ما غايتي، وكنتُ أتلو آية الكرسي خشية نهوض الكلاب. على مسافة الطريق تذكرت كلبًا قد طرحني أرضًا في القرية التي نسكن فيها في بداية طفولتي، ومنها بدأت مشاوير خوفي الشديد من الكلاب. فهي دائما العائقة في الوصول إلى غايتي.
أذكرُ هذه الحوادث على عجل قبل أن أنسى وتضيع مني الآية بأكملها كما حدث معي نسيان سورة الفاتحة أثناء الصلاة. احذرُ المحاريب حين تلوّن الأيام الطويلة التيه أثناء السجود ...
واستمر حديثي لأصنع من الأوهام خواطر أتسلى بها لعلّ حفيدي يستمع ويصغى: كانت تكلفني أمي بالذهاب إلى بيت خالي، وعلى قارعةِ الطريق عدد منها، ولكي أتخلص من النباح عليّ أن أتلو آيةَ الكرسي بسرعة قبل الوصول إلى محيط تواجدها فوقَ الطين. قد يقتضي الأمر أحيانا أن أكتفي مختصرًا ب" الله لا إله إلا هو ". لا أدري منْ علمني الآية وَمَنْ ارشدني إلى تلك الطريقة، حيث كانت بمثابة أسلوب مثالي، فعليّ تطبيقه بحذافيره في اجتيازِ المحنِ والمصاعب لعبور السيطرات. وبعد فترة تعلمت تلاوة آية إضافية وهي " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون " كي أتجاوز حواجز الأمن رغم أنّي لم أقترف ذنبًا يستحق التوقيف.
قد يلقنني أحدهم الثوابت حينما أنسى الموضوع ويضيع مني نسج الحوادث حسب القدم. وأشعر بأنّ هناك من يمسك بأكتافي ويملي عليّ جملةً " عفا الله عما سلف "، ويأمرني بأن أترك الحاضر لأهله. لقد أكل الدهر وشرب ما كان مني جميلا. وقد تكون هذة الفكرة ذات وزن ثقيل تسكن وسط بركة آيلة للاتساع.
طلبت منه أن يمهلني قليلا من الوقت بعدما سحبت كرسيًّا لأقص عليه قصة واقعية حدثت معي. قلتُ:" عند المواجهة، في إحدى المعارك مع الجيش الآخر كان سلاحي الوحيد هذه الآية آنفة الذكر ولو أني لم أسمع صوت إطلاقات بندقيتي. بعد ليلة كاملة ونصف نهار من انسحابنا غير المنظم لفقدان القيادة وزمام الامور، استوقفتنا سيطرة عسكرية على جسرٍ، وكانت فرقة أو مجموعة يحملون شارةً على زنودهم يطلق عليهم مكافحة المتسربين أو المتخاذلين من ساحة المعركة، لهم صلاحية تنفيذ حكم الاعدام. كنا، أنا و اثنان من رفاقي، نستقل سيارة حوضية لنقل المياه بالوحدة العسكرية نفسها. أنزلني أحد أفراد المجموعة عنوةً رغم أننا شرحنا له بأننا نحن ثلاثة مأمورون بجلب المياه، لكن أصر على اختياري من دونهم. في تلك اللحظة أحسست بأن مفعول تلاوة آية الكرسي ذهب أدراج الرياح. اقتادني إلى منخفض جانب الطريق المحاذي لبركة شبه جافة. فشاهدت عددًا من المتسربين واقفين بحالة استعداد قبلي؛ ضاقت بي السبل، ونظرت في عيون السماءِ لعلي أرى وجوه أطفالي الثلاثة. لم يتجاوز عمر الأخير أربعين يوما. وبعد دقائق قليلة جاء هذا الانضباط العسكري مسرعًا يأمرني بركوب العجلة الحوضية مع شتمي بشتى الألفاظ. وكذلك حال الجنود، عليهم الانصراف بأسرع وقت ممكن. وبعد استقراري على المقعد في العجلة لمحتُ في الجانب الآخر من الطريق موكبا عسكريا طويلاً مسرعًا مع صفارات الإنذار. عرفتُ حسب تخمين سائق العجلة أنه موكب قائد كبير أو ربّما الرئيس ليطلع على مجريات المعركة. هكذا أدركت أن مفعول الآية كان صالحًا لإنقاذي من حكم الإعدام. فقد سخر لي مرورَ الموكب الرهيب .
"هيا"، قلت له بعد أن لقنته الآية عدة مرات. الآن حفظت الآية عن ظهر قلب. انطلقَ ( عباس )، وبعد عدة دقائق عادَ منتشيًا قائلاً لي:" جدو، قرأتها أثناء مروري، الكلاب خامدة لا تحرك الذيول، أووووو- يا جدي - ولا كلب واحد ينهض" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك