العنونة وثنائية الضوء والظل في //(الضوء يسرق ظلي) أنموذجاً//للشاعر "د.علي حسون لعيبي"//بقلم الأستاذ//حسين عجيل الساعدي

. . ليست هناك تعليقات:

العنونة وثنائية الضوء والظل
في (الضوء يسرق ظلي) أنموذجاً
للشاعر "د.علي حسون لعيبي"

بقلم/ حسين عجيل الساعدي

(الإنسان ليس سوى نفس وظل)
الفيلسوف اليوناني
سوفوكليس

ضمن قواعد المنهج النقدي السيميائي، الذي يتناول سيميائية العنوان، كونه الإشارة الأولى في علوية النص، والتي تجذب أنتباه المتلقي، تسعى هذه القراءة الى تتبع الأثر الدلالي والسيميائي في عنوان المجموعة الشعرية (الضوء يسرق ظلي) للشاعر "علي حسون لعيبي".
يرى "جيرار جينيت" إن العنوان يعبر عن ماهية النص، وقد حدد ما أصطلح على تسميته بـ (المُتعاليات النصية)، وهي (كل ما يجعل نصاً يتعالق مع نصوص أخرى، بطريقة مباشرة أو ضمنية)، "سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، النص والسياق، ص 96-97".
فالعنونة ظاهرة نقدية لها وجودها المكثف في الدراسات السيميائية، وقد اولت معظم هذه الدراسات التي تعنى بالعنوان، الأهمية البالغة في كون العنوان يمثل بوابة النص، وبحسب "جيرار جينيت" فإن العنوان (مجموعة من العلامات اللسانية التي يمكن أن توضع على رأس النص لتحدده، وتدل على محتواه لإغراء الجمهور المقصود بقراءته).
وقد وُصف العنوان في دراسة النص الشعري من قبل النقاد، بإنه (نص موازي)، و(مفتاح جمالي)، و(عتبة نصية)، و(علامة سيميائية)، تقوم بوظيفة الإحتواء لمدلول النص، فهو يفتح شهية المتلقي ويؤثر في وعيه، ويستفزه نحو تأويله وسبر أغواره، ويساهم في توضيح دلالاته، فيعيد إنتاجه، وقدرته على تكثيف وأختزال الفكرة المحورية فيه، لإن (الأختزال في العنوان يُعبّر عن الموضوع، ويجعله واحداً من جملة أحتمالات وقع عليها أختيار المبدع)، "محمد مّداس، لسانيات الّنص نحو منهج لتحليل الخطاب الّشعري، ص54". فالشاعر يعبر من خلال العنوان عن الوظيفة الدلالية الأولية والجمالية والثيمة الرئيسة للنص. فالعنونة الشعرية مهمة لأنها تساعد في تفسير النص وتأويله. ويمكن أن نحدد أهمية علاقة العنوان بالنص من خلال عملية تأويل دلالاته.
في مجموعة الشاعر "علي حسون لعيبي" النص الموازي (يؤسس لذاته بعيداً عن النص الأصلي)، "محمد السباهي، النص والنص الموازي"،
فالعنوان (الضوء يسرق ظلي) من خلال كثافته خلق نصاً موازياً ومشحوناً بالدلالات. فشكل رؤية مزدوجة من خلال مضمونين متداخلين اولهما كظاهرة طبيعية وثانيهما دلالي، فخلق إيقاعاً داخلياً فُرض على العنوان.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

الثيمة الثنائية (dualism) في أي نص شعري، هي فكرة واقع يتكون من جزأين منفصلين متقابلين متضادين، هذه الفكرة محورية ومتداولة لدى الكثير من الشعراء، تجلت في الكثير من أعمالهم الشعرية، من خلال رؤية الشاعر الإبداعية المتجذرة في إبداعه الشعري. فالشاعر إنسان له رؤية خاصة للعالم، وهذه الرؤية يترجمها شعراً في ثنائيات ضدية متقابلة، تغني النص وتعدد إمكانيات الدلالة فيه، كذلك تفتح آفاق النص للبحث في الدلالات التي تحملها هذه الثنائيات الضدية.
وعنوان المجموعة الشعرية (الضوء يسرق ظلي) للدكتور "علي حسون لعيبي" توضيح لثنائية الضوء والظل المُتشكل في ذهن الشاعر، كون التضاد بين دلالة الضوء والظل يثير إيحاءً نفسياً.
أتى العنوان في ثلاث كلمات تندرج ضمن (جملة اسمية)، يقول عنها النحويون أنها تدل على الحدوث والتجدد إذا كان خبرها جملة فعلية.
أختيار الشاعر (ثنائية الضوء والظل) في عنوان مجموعته الشعرية كان لأعتبارات فنية وجمالية إضافة الى القيمة الرمزية وحمولاته ومدلولاته المتعددة. فنحن أمام إنزياح ومفارقة دلالية، وهذا من شأنه أن يفتح شهية القارئ الى التأمل في طياته من أجل البحث في الدلالات التي تحملها هذه الثنائية الضدية، التي يمنحها بلاغة أكثر عمقاً ودلالة، والمعبرة عن نفسية الشاعر، وأنعكاساً للحياة بما تحتويه من ثنائيات ضدية متنوعة.
تتحدد ثيمة (الضوء والظل) في البؤرة التي يدور حولها العنوان، والشاعر يستثمر هذه الثنائية داخل منظومته الشعرية، لإن الشعر قائم على الثنائيات، بين الشيء ونقيضه، بين الواقع واللاواقع، بين الوعي واللا وعي، ومن خلال بنية التضاد يؤسس الشاعر جدلية تتحرك فيها دلالة المزاوج بين الضوء والظل.
فجاءت ثنائية (الضوء والظل) أنسجاماً مع المختلف اللغوي، وجمال اللغة الشعرية والتعالق فيما بينهما. فاستثمر الشاعر الضوء وما يتصل به من دلالات ورؤى، والظل بما يمنحه من دلالات تتناسب مع النسق الشعري.
ومن أجل الوصول إلى ماهية هذا الظل وإدراك حقيقته، ينبغي إدراك معنى الظل الحقيقي.
الظل احد نواتج الضوء، وأنعكاساً للأشياء، فهو المساحة التي يُحجب الضوء عنها، (فلايمكن ان يحدث الظل بمعزل عن الضوء، فأين ما وجد الظل وجد الضوء)، وفي هذا تتناغم ثنائية (الضوء والظل) في بعديها الفيزياوي والدلالي.
لكن هناك تساؤل يندرج ضمن الاطار الفلسفي، يعمق دلالة العنوان، له محمولات تتركز في البنية الفنية، هذا التساؤل يستدعي القارئ الى قراءة متأنية، لأنه ذات محمولات متعددة، هي هل أن ثنائية (الضوء والظل) ثنائية الوعي واللاوعي؟ وهل اللاوعي هو ظل الوعي؟.
إن مفهوم الظل مفهوم عميق ومتداخل مع فكرة الوجود والعدم، أضافة الى كونه (فلسفة كونية) وظاهرة طبيعية فيزياوية تتمثل بظاهرة (الضوء والظل)، فهو جزء من التكوين البايولوجي للانسان، المرتبط بالجانب الروحي في مكان التأمل. فالتعامل مع الظل يحمل تصورات الحالة النفسية للشاعر، المعبرة عن كينونته، ف(الإنسان ليس سوى نفس وظل) على حد قول الفيلسوف اليوناني "سوفوكليس".
الشاعر يريد ان يعيش لحظة الظل، وأن يمتلك هذه الحظة، فقيمة الظل، تنعكس على نتاجه الفكري، فالظل كينونة الشاعر التي سرقت، والباحث عنها وسط ما تحفل به الحياة من متاهات وصراعات. وهذه الحالة تجسيد لشعور لا واعٍ قبل أن يكون شعوراً واعياً حول (فقدان الظل)، فالشاعر يريد ان يكون ضمن دائرة الظل، والظل حمال أوجه، قد يكون فكرة معينة مهيمنة عليه، تُعطي احساس بالعمق، بما تحتويه من دلالات تتناسب مع محتوى فكر الشاعر. أو كما يصف الشاعر الإنكليزي "وليم شكسبير" الظل بالحلم حين يقول (الحلم بحد ذاته ليس سوى ظل). وقد يكون الظل، هوية وطن غير مرئية، حاضرة في وجدان الشاعر، يستريح في ظلها، سرقت في حين غفلة من الزمن.
،،،،،،،،،،،،،،،

الشعر لم يكن مجرد كلام مشبع بالعاطفة أو مجموعة من التراكيب اللغوية فحسب، وإنما حاملاً فكراً ورؤية، وهو وليد تجربة شعورية، هذه المعطيات الشعرية التي يحملها الخطاب الشعري، تتغير حسب أنفعالات الشاعر، من خلال اللجوء إلى رمز أو معادل موضوعي، يراه بعينه، ويشارك في أحداثه.
في مجموعة الشاعر "علي حسون لعيبي" (الضوء يسرق ظلي) يعد الوطن القضية التي تمحورت حولها ثيمة أغلب النصوص، تعبيراً عن أعتزاز الشاعِر بهويته الوطنية، والذي تعكس وعيه في الانتماء لهذا المكان الذي أسمه العراق.
في نصوص الشاعر حضور مكثف لضجيج الحياة والوجع النفسي المتخم بالآهات المتمردة، في صور شعرية مركبة تجمع ما بين الأشياء ومدلولاتها، تعبر عن الذات وهمومها و ردة فعل الواقع الذي يعج بالمتناقضات
. النصوص الشعرية على حد تعبير الكاتب الروسي "يورى لوتمان" في تناوله للنص الشعري (تاتي كما يحلو لها مادامت تتبنى التقنيات والاساليب التي تمكننا من ادراكها وقراءتها كشعر..). وسنحاول أن نسلط الضوء على بعض نصوص المجموعة.
في البدء، ثيمة الوطن التي تتصدر تأملات الشاعر، بشكل قوي، وأنشغاله بقضاياه، ودلالاتها النفسية في نصوص الشاعر، التي تكشف عن حس وطني غني وعميق.
فالوطن من أهم محاور الشاعر في مجموعته الشعرية، وهي المعادل الموضوعي لوجود ذاته، استطاع أن يظهر مدى تفاعله مع أحداثه، حتى بدت ذاته منكسرة ومحبطه، بعد أن امتلأت نفسه آلاماً، وهو يرى المحن تعصف بأمنه، لأن الشاعر هو أكثر الناس قدرة على التعبير عن معاناة الوطن، وعن حالة اللامنطق واللامعقول الذي يعيشه وما أستجد فيه من أحداث مأساوية.
فالمعاني والدلالات التي تكشف عن وطنية الشاعر في نصوصه عديدة،
فهو يعتمد لغة إيحائية رمزية تصويرية عندما يعبر عن هذه المعاني من أجل تكثيف دلالة الوطن والتعبير عن قضاياه.

(عندما تحاولُ العبورَ
فكْ طلاسمَ قدرِكَ
حتى لا تصابْ بذهول عتمةِ المكان ....
هكذا ترى بعينٍ لا ينالها الحسدُ...
ثم علّقْ واجهتَكَ على جدارٍ هشٍّ ....
و أعزفْ أغاني الرحيل
قد يحضرُ عندَها النّوابُ
و يُغلّفُ المكانُ بمترادفاتِ سيلِ الشّتائم.....
و بعضٍ من قهوةِ حمد المفقودة ...
الكذبُ يتراقصُ بينَ إيماءاتِ الخلاعةِ ...)

وتراه يقدم رؤية شعرية تلخص الواقع بكل موجوداته.

(ذات يوم ..
حملنا نعوشنا سوية ..
دون دراية...سرنا..
تبادل مقنع..
كل منا يفقد صاحبه
ضحكنا .. كثيرا
تحدينا الموت ..
حسبنا هناك لعبة..
نتقاسمها سوية ..)

في نصه عن "الأمام الحسين"، تمحورت شخصية الامام في وجدان الشاعر، فتعامل مع هذا الرمز بواقعية، حين أتكئ على حدث تاريخي مهم في حياة الامة (واقعة الطف) والذوبان في داخله والغوص في معناه. فالحسين متمرد على الحكام الخارجين عن الدين وقوانين الحياة، فاختار الشهادة من اجل الحياة والحرية والعدالة.

(حين اقبلت..
كنت الجرح العظيم ..
وكانوا الوهم..
ما مر مثلك سيدي
في تاريخنا ..
هنا كربلاء  التي أينعت ..
بارتشاف دمك..
لا تربة تشبه وقع أقدام الحسين..
ولا واقعة مثل الطف..
أجساد النبوة..
تغفو ..
وكل لحظة يستيقظ فينا ..
الف والف ..
بلا نهاية ..
وبلا تاريخ..
ماعادت معركة  
وانتهت..
بل ثورة ضمائر..
تجري كلّما حل 
الضيمُ ..واستقر. ..)

فالشاعر يدخل في نصوصه (سايكولوجية التواصل الشعري) من خلال توظيفه المفردة الشعرية ذات الدلالة الجمالية، وخلق صور شعرية مكتنزة بمضامينها النفسية تقوم على التشبيه والأستعارة والأنزياح.

(حتّى لا تكنْ سطحياً
دعْ نافذتكَ مضاءةً 
أو اصنعْ تمثالاً ملوناً 
كُنْ ماكراً .....
لا ضيرَ أنْ نتصوفَ 
اقرأْ ...مثلَ جورج سيمنون ...
اكتبْ أكثرَ 
لعلَّ في نهايةِ المطافِ ...
يكرمكَ السّفهاء ...
أعلنْ الفوضى ...
و اسخرْ ...
حتّى يتبعُها ضحكٌ طويل...
لكنْ ...سنعودُ أدراجنا 
ننشدُّ مرةً أخرى ...
النشيدَ الأخير ...
و هكذا ...دواليكَ ....)

سعى الشاعر الى جمع الدلالة والرمز  والايحاء في أطار صورة كلية عن موقفه أتجاه قضايا وطنه. أستحضر ذات البطل جلجامش ليقف بين يديه، لأنه لأحوج ما يكون لظهوره من جديد، والألتقاء به روحياً، لاكتشاف معنى الوجود.

(لا غرابه ...
انا اتبعك اكثر ...
عذرا...
انه العشق في زمن الأنبياء.  
سيدتي ...
محرابك....صلاة في حضرة الرب ..
لن اتوهم..
ها انا ..
اعبر خفايا الوجود .. 
واتهيا....
للخلود
جلجامش  جدي ..
بعضه انا...
 ياواهب سر الخلود ..
دعنا نتبادل الأدوار.  
في كل زمن خمبابا...
وبغايا ...
مازلنا ...نغامر الوهم . .
ونصدق ...
لا وقت . هناك . 
فقط هواجس تمضي .)

(أرى في وجهك تسابيحَ الربيع
في أيّ محرابٍ تحين صلاةُ الفصول 
هاهي العصافير تقاطرت 
تطوف على أحراشِ القلب
تلبيةً للشوقِ الثائر
للسفر البعيد البعيد
هيا نبني اعشاشَ اللهفة
يا دلالِ الغرور...)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك