دراسة نقدية للنص ( لا أحد يعرفُنا ) للشاعر الأستاذ // الطاهر إبراهيم //بقلم الأستاذ //خالد الخليفة

. . ليست هناك تعليقات:

لا أحد يعرفُنا ،
الكلُّ يحثُ الخطى سراعاً دو أن يلتفت ،
يمتدُّ الأفقُ بعيداً ،
و لا تترجمُنا الخرائطُ مثلما ينبغي ،
تلفظُنا البحارُ المتخمةُ بالأعياء ،
و تحتضنُنا الشواطيء بحقدِها القارص ،
لا خيمة عطفٍ تسترُ جوعَ الحبِّ المتآكل ،
لا حزمة ضوءٍ ، واهمةٍ ، متعثرةٍ ، تائهةٍ ، في طريقٍ لا طريق له ،
تخترقُ عتمةَ نهارٍ يستجدي نهاره ،
ربما ، العرافة الملعونة صدقتْ حين أفصحتْ - و هي تتلذذ بدمِنا الذي أرتوى من دجلة و الفرات -
أن الذئاب التي نبشتْ قبورَكم بعد موتكم السعيد ،
ستعيدُ رفاتَكم تحت مستنقعاتٍ آسنةٍ من آياتٍ و تراتيل ،
أيها الربُّ المجيد ،
ما كان لك أن تتركَنا نقتربُ منكَ حدَّ انكشافِ النور ،
كان يجبُ أن تدعْنا نتمرغُ بحفظِ آياتِ العواءِ و الفحيح ،
أن تشحذَ أنيابنا و تعبَّ جماجمنا بحكمتِكَ العظيمة ،
كي ندركَ لغةَ الثعالب ،
و نرمي من على أسطحِ البلاغةِ المزيفةِ ،
جموعَ الأرانب ...!
بقلم الطاهر أبراهيم / العراق .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
( القراءة النقدية الأنطباعية )
بقلم / الاستاذ خالد الخليفة .

نص ؛ لا أحد يعرفنا .
النص يسوده بعض الغموض المقصود أراد كاتبه أن يسجله خطياً حتى لا يكشف القناع عن الأسرار التي يحتويها ، أذ يحتفظ كل شاعر بعرى نصه يؤلفه وفق نشاط طقسي في شراهة تؤمن فضول المتلقي وتثير فيه الحاسة السادسة ضمن جانبان هما : -
الزمان / ذاكرة الكاتب .
المكان / ذلك الخواء الممتد مع الأفق .
يعنون شاعرنا الطاهر أبراهيم نصه : لا أحد يعرفنا . هي عبارة مراوغة مزدوجة حمالة أوجه في دلالتها تشير الى النفي عكس الإثبات ، كما أنها في دلالة أخرى توحي بأمكانية أطلاق سراح مشروط للتحليق تجسيداً لأحساس في لحظات نادرة على رضاب البوح دموع خيبة تغلف الفراغ بين العين واليد ، وفي الوقت نفسه محاولة جادة لرسم ملامح واقع مغاير يعلو قتام هذا العالم المحبط .
النص يعد مادة تشكيلية تعبيرية متماسكة المضمون في أضطراد المعنى مع وحدة النسق والربط الحسن بهيئة حكائية يعقبها همس حزين بعد كل مفردة ، يتردد صداه في تساؤلات فوق سهوب الورقة أعتمد الكاتب فيها عنصر التشويق للأغراء بمعرفة ذلك السر في حث الخطى سراعاً كأنه في ليل مقبرة يتخلل المطر البارد بين ملابسه ، في أسلوب يفتح المجال للتأمل بما يشبه الفوضى غير ناضجة الأهواء مع المحافظة على ما سيهديه لعاشق مثلي ؟ .
بتلك الخرائط ذات الطبيعة الصوفية تدفع بالكاتب والمتلقي أن يسلكا مسارات وجدانية مشوقة جذابة لنضمد جراح الزمن العتيق ونستغفره حين يخذلنا الهاجس طوال سنوات فراقنا ، نتكئ على سرير الكتابة لنقلب الرؤى بلذيذ الكلمات ومن حنجرة اللغة نقطف العنفوان فنملأ سلال الحب من الذاكرة ، نهرب الى أفيون ذكريات الآتي حيث أصطفى الحزن هذا المدى ، ها نحن نرتعش ذعراً على تلك الشواطئ دون أن نخلع ضوء الكبرياء .
حين يتلاقى الشعر بالعاطفة يستحوذ ذات ربيع بجنون رائحة ذلك الركن الفسيح الممتد على الورقة ، يسبغ علينا من فضائل الألفاظ على عُري التشكيل ليدرك الرخو من الأمل ، بعيداً يستعيد دنو الخطى زلفى الى الود من الحدث ، بأمتزاج يحقق للمشهد زخمه الوهاج العاطفي ، وبتلك الصور التي تمثل الأيقاعات الفاحشة الثراء والجمال تأكيداً لحنياً متصلاً من جديد يجعلنا أن نشتري بطاقة سفر في طائرة ورقية ملونة تحلق بنا في سماوات الدهشة فرحين وأكوان النشوة مبتهجين .
الكاتب يؤثث مشهده على مقاس الدهر ونوائبه هي البوصلة المزورة حين لفظته تلك البحار والمحن ، كأطفال الخطيئة تحدث فيه الأرتجاف ملتهباً بمخاوف مرعبة تقذفه خارج حدود المكان ، وبأنتظار من يزيح الستار عن الشواطئ الهادئة التي تزرعني فيها فزاعة طيور تحت الثلج قد نسيتني شتاءات طويلة ، وبين الرغبة والرهبة هبة نسيم لافتة تؤذن بأن الرياح مؤاتية جاءت في لحظة حقيقة وضعت رحالها بين خصيب المشاعر يدس صواع الحياة فيما تيسر من الخبر .
موجعة محتدمة تلفظنا البحار ؛ تلطم الوجدان في أسى ضباب يسبب ذبحة الصدر ! شبت فيه النيران قد غلفته نوبات السعال الذي يوقظ النيام من الحزن ، في ذهول يرافق السؤال ينسلخ فيه جلد الشواطئ بما يشبه لحظة الانتحار تائهاً في شرود من غسق ، بعيداً تلاحقه أصوات لجوجة تنداح بحقدها القارص فيظل عالقاً حتى يغلفه الاعياء في شسع صبابة من هذيان يخصف لسان الألم .
~~~~~~~~~~~~~ يتبع
لا خيمة عطف تستر ، لا حزمة ضوء ؛ أنه الانسلاخ وفقدان الهوية وهو العنصر الأساس الظاهر من أداة النفي ( لا ) التي وظفها الكاتب لمعالجة نصه وفق تراجيديا تحمل الخطيئة على كاهل البوح ، يعاني فوضاه لأدراك مساحة أفكاره وابعاد حلمه الآخذ بالاتساع ، والتوغل في حقول الوحشة والعيون العارية عسى يجد فوق بؤبؤ العينين ما يسامره ليمسح الدمع وسط كرنفالات الثرثرة في الحج الى كعبة الحب .
يحمل الأشواق بمشقة ويخلع نعليه في قداسة المشهد لينبعث ذلك الضوء كأنه فنار كسول ، واهمة متعثرة لا طريق يوصلها للفردوس المنشود ، بهذا التعبير اللغوي يقف الكاتب على الحياد ينظر للعتمة تغلف الذات في مقاربة وتقويم وتقييم وغربلة للمشهد بما يكتنفه من حيثيات يتجلى حدثها بشكله الفني كعلامة فارقة توفر الأدوات اللازمة لتلك الأوقات .
يفتح لنا فتحاً مشحوناً بهواجسه حين تتكئ الذات لمواجهة الحزن يستجدي فيه نهار ليدفع عتمة القلق ، وعلى ذكرى الفرح يضع دفاتره البالية حين تنام رغبة أغرقها الحنين بنشوة نسائم دجلة والفرات ، يُهيم في بساتين اللذة المحرمة مستذكراً عرافة ملعونة كصدى رجيع بعيد في صبابة عشق ، لذيذ المناجاة مفتاح الأمل ينوء بذنبه راجياً صفح القدر والهموم ثقال حد الوجع ، عبثاً يلملم ذلك العمر المهشم بين الرحيل والعذاب وبين الملح والجرح والأفق والمقبرة .
الكاتب يشد من أزره فيدثر خجله حين تأخذه يداً حنون رحيمة تمسح بعطف ٍ جذاذة الألم وتخفف الأرتباك ، فما زال في حلقه مذاق قرون من القحط والجدب والبوار ، ينهض يتقصى نسائم الفجر وعلى تخوم الذاكرة يمسح عن مسامها آهات الراحلين ، محاولة لفهم الأثر حين يطفح بذلك الإغراء المفتوح على أمرأة يوظف فيها الميثولوجيا الظاهرة برمزية المعنى الذي يحيل الدلالة لأتجاهات عدة .
وسط تلك الذئاب التي تنبش القبور في مشهد مخيف مرعب فلسفي بأمتياز ، وعلى شطآن خرافية السحر تترك خلفها مستنقعات مبنّجة تفصل الأمل العتيق عن كابوس واقع مرير يحط رحال الصلوات والتراتيل صاعدة الى رب مجيد ، جرعة كبيرة من الضياء تخترق طوق الزحام من هواجس قلبك تفتش عن الاستقرار تشعرني بدفء كفك وهي تحتوي القلم ، هل ترى معي أنياب مخاوفنا وهي مصقولة بالدهان تومض مثل السكاكين كلما تحاول الأقتراب من الفرح ، تائهاً لا تقيك مظلة من أمطار الحزن .
النص فيه من الشاعرية رغم بحة الحزن والعاطفة لصيقة الخيال والأسلوب يحمل موضوعاً موشحاً بالعذاب ، أراد كاتبه أن يستراح على الورقة ويحط رحاله ليجمع أنواع السفر في صور عدة واجواء حالمة والذات المتأملة بتشكيل واضح الفكرة والألفاظ رقيق متنوع القوافي ميال الى التأمل والاستنباط .
مودتي وباقات الورد .

✍🏻 🌹 خالد الخليفة 🌹🇮🇶

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك