الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها // بقلم الأستاذ // حسين عجيل الساعدي

. . ليست هناك تعليقات:

"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها"
بقلم/ حسين عجيل الساعدي

النزعة الدينية هي أعمق نزعة عند الإنسان، بل هي فطرته الأولى التي فطر عليها، والذي يريد أن يضع لهذه النزعة تاريخاً معيناً في مسيرة الإنسانية، فهو واهم، لأن الإنسان على مر تاريخه أرتبط بالأله أرتباطاً وثيقاً، ومهما كان هذا الأرتباط معقداً أو بسيطاً، فهو أخذ تصوراً ذاتياً للأله، أدى في نهاية الأمر الى تنوع صورة الخالق في هذا الدين أو ذاك. فالدين لا يرتبط بمرحلة ظهور تاريخي معينة بل هو سلوك يدل على خضوع وأنقياد الانسان للذات الالهية، فهو أشمل وأوسع من المذهب الذي هو (مجموعة من المفاهيم والأفكار والمواقف والآراء أرتبطت بعضها ببعض أرتباطاً يجعلها وحدة متجانسة)، وهذا يؤدي الى تعددية المذاهب في (طريقة أستنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية) وفق قواعد وأصول فقهية محددة. أما الأختلاف العقائدي المتنوع هو الذي أنتج التعددية الدينية والمذهبية، التي خضعت الى أختلاف الرؤى والأجتهادات الفكرية والأيديولوجية التي هي نتاجاً عقلياً أنتجه التنوع الديني والمذهبي للانسان.
وإذا أردنا أن نجتزء قضية التمذهب في دين معين، فإننا نقول إن المذهب هو نتاج عقلي شئنا أم أبينا وهو جزء من الدين، وليس الدين كله. فاذا أردنا أن نتمذهب في الدين، ينبغي أن لا نتدين في المذهب. فنجعل من المذهب الدين كله، فالمذهب جسراً يصل بنا الى الدين، ويعمق أرتباط الفرد بربه وفق متبنيات هذا المذهب أو ذاك، إذاً المذهب نتاج عقلي تشكل في مرحلة من مراحل تطور الوعي الإنساني، فهو يتمتع بديناميكية وقدرة عاليا على جذب الأتباع له، خاصةً إذا كان يتمتع بأفكار عقلية واقعية تتناسب مع الطروحات الإلهية، والأكثر من ذلك أن هذه الأفكار تداعب مخيلة ومشاعر وعواطف الفرد، وما يحيط به من أوضاع أجتماعية وفكرية ونفسية وسياسية وأقتصادية وغيرها، فيكون أداة تجعل عند الإنسان حالة من الأطمئنان الى هذا المذهب أو ذاك.
إذاً المذهب شكل حجر زاوية في الجانب الديني للفرد، فهما يتفاعلان تفاعلاً جدلياً ولهما الأثر الواضح في التكوين النفسي والأخلاق والأجتماعي والفكري للانسان، والأختلاف في الرؤى والطروحات التاريخية له ارتباط بالأحداث التاريخية المثيرة للجدل والتقوقع حول هذه الأحداث. وهذا الأختلاف في الرؤى، يؤدي الى نشوء تباين حاد في التفسيرات والتأويلات لهذه الحوادث التأريخية، فينعكس هذا التباين تلقائياً على واقع الدين والمذهب على حداً سواء، فيكون التاريخ جزء أساسي من المذهب وليس العكس، وهنا مكمن الخطر.
أن الواقع العربي والإسلامي يشير وبكل وضوح الى التعالق والتمسك بعصبية التأويلات التاريخية وتباين حوادثه، التي هي مرتبطة أرتباطاً وثيقاً بالتاريخ الأسلامي، هذا التباين في التأويلات جعل أتباع كل مذهب أن يتشبثوا بمذهبهم بكل قوة، فبدلاً أن يكون المذهب نتاجاً عقليا، ويتفاعل تفاعلاً إيجابياً مع المنظومة الإجتماعية والقيمية للمجتمع، أصبح أداة تجره أوساط نخبوية دينية تثقف بعصبية متطرفة متأزمة، متمسكة بمغالطات تاريخية أفرزتها حوادث التاريخ، أنعكست سلباً على الواقع المجتمعي، فأخرجت الدين من روحه السمحة الى فضاء الصراعات السياسية وأقحامه في فهم النص الديني، فكان لذلك، الأثر السلبي على الجانب الروحي للمذهب.
العراق ليس البلد الوحيد في العالم الذي فيه تنوع ديني وأثني وقومي، بل هناك الكثير من المجتمعات الإنسانية فيها الكثير من التنوع الديني والمذهبي والطائفي والفكري والفلسفي، وهذه أوربا أمامنا شاخصة فيها الكثير من المذاهب الدينية والفكرية والفلسفية والسياسية، ورغم ذلك تفاعلت مع هذا التنوع تفاعلاً أيجابياً وأنتجت مجتمعات متطورة ومتقدمة في كافة الميادين، وكذلك مجتمعات الهند وامريكا وغيرها.
أن التنوع العراقي، ليس نتاجاً طارئاً، بل هو تنوع أصيل متجذر في التاريخ العراقي الموغل في القدم. فالمذهبية في العراق ليست وليدة الحاضر، بل هي موجودة منذ قرون مضت والطارئ الجديد في المجتمع العراقي هو الأفكار الضالة التكفيرية المتطرفة التي لا تؤمن بتلاقح الأفكار والتعددية الدينية والمذهبية.
فنحن في العراق بأمس الحاجة الى التعايش السلمي والتفاعل المثمر والحوار البناء بعيداً عن التعصب الأعمى الذي لا يجلب سوى الدمار والخراب، وعدم أثارت القضايا الإشكالية في التاريخ ومواجهة الأفكار المنحرفة، من أجل أنقاذ مذاهب وأديان وقوميات العراق، وبناء مجتمع عراقي معافى من الصراعات الدينية والطائفية والاثنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك