(نص تجريبي)
في ليلةٍ غمّاء، داهمتنا العتمة على حين غرة، معها اسراب جراد مهّولة أكلت الأخضر واليابس، تسرب الخواء من شبابيكنا المفتوحة على مصراعيها، خدر يدب فينا كدبيب الماء في الجرداء، قوافل الوجع تغتصب منّا مساكن الفرح، رائحة كريهة نتنة تعّم المكان، صور الانكسارات تنتشر في أزقتنا، تحجب صور أعراسنا وأفراحنا، لغة هجينة تدخل عنوة من نوافذنا المتهالكة من كثرة الطرّق، في العتمة تراودك الأحلام، شعرت بصوتٍ الأعشى يدوي في أذني:
ودِّع هريرةَ إنَّ الركبَ مرتَحِلُ وهل تطيقُ وداعًا أيُّها الرجلُ!
غرَّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضُها تمشي الهوينى كمَا يمشي الوجِي الوحلُ
كأنَّ مشيتَها من بيتِ جارتِها مرُّ السحابةِ لا ريثٌ ولا عجَلُ.
وأنا في حيرة من أمري وقد أصابني القنوط ودب فيَّ اليأس فلست ممن أعتاد الوداع ووداع من، وداع الثغر والمبسم والفيحاء والحدباء والنهرين والحلم، وجدت نفسي أصرخ:
مَنْ أباح قبض الريح؟
مَنْ سَجن الضوء؟
مَنْ وَضع الأصفاد برسغ الشّمس؟
مَنْ عبث بالرّحم؟
مَنْ أضرم النيران؟
وجدت عنترة يجيبه ويجيبني:
ولقدْ ذكرتُكِ والرِّماحُ نواهلٌ منِّي وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمِي
فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنَّها لمعَتْ كبارقِ ثغرِكِ المتبسِّمِ
شعرت ببعض الراحة رغم العتمة العمّاء، سمعت موسيقى هادئة تطرق أذني لنصير شمّة ومعها ينشد د. لقمان شطناوي:
أنا نَجمٌ في الساحةْ
لا أخشى من أي إعاقةْ
مولودٌ لا أُبْصرُ شيئاً
لكنّي مملوءٌ طاقةْ
نِعَمُ اللهِ عليَّ كثيرةْ
أعطاني عقلاً وبَصيرةْ
ومواهبُ عِندي غاليَةٌ
حُلْمي أصنَعُهُ بأناقةْ
أُنشِدُ شِعْراً أَرْوِي أدَبا
أَعشَقُ دَرسي أهْوَى الكُتُبا
وأُشاركُ معْ صَحْبي اللُّعَبا
أتَوهّجُ عَزماً وَلِيَاقةْ
مَعروفٌ أنّي مُتَفان
أعملُ مِن خالصِ وِجداني
تَصدُقُ أقوالي أفعالي
وأقدِّمُ جُهْدي بلَباقَةْ
مولودٌ لم أُبْصرْ شيئاً
لا أعرف ليلاً أو صُبحاً
لكنَّ دُرُوبي أعْبُرُها
منطلِقاً مِن غيرِ إعاقة ْ
ولذلك أحيا يا صحْبي
للقِمّةِ نَفسي تَوّاقةْ
على حين غرة وكما جاءت على حين غرة وكأن تعويذّة الشعر والقلم قد بددت العتمة، هرب الجراد مذعورا، ووجدت نفسي بصحبة الشمس نتشابك الأيادي وينتظرني القمر بدعوة للعشاء ترافقنا النجوم.أفقت من حلمي، والعتمة باقية، لكني تنفست الصعداء لأن للعتمة نهاية يوما ما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق