القراءة بقلم / علاءالدين الحمداني
( النص)
عزيزي فان كوخ
كيف لي؟ لثم النهايات
والكره والحب مرايا معكوسة
لن ينتهي هذا البؤس
يا فان كوخ
نتلون به الى ما لا نهاية
هكذا تصرخ الحقيقة في وجهي
أتغذى من صفعاتها الحانية بحزني
حاولت يا صديقي !!
هل أبالي
أمزق ثوب الوهم وأرتدي وجه النجوم بألوان حلمي
لم أمت بعد يا صديقي!!
سأنبت زهرة بشعاع المعاني حين تُغيبني السنون
وأخرج من الحقيقة بسراج يشتعل
كأنه بريق الكآبة نحو الضباب
يمضي بي
ما للنوارس تتسلل أنصاف مشاعري وأناي يجدل للكون روحي قصيدة..
يا كوابح الضجيج !!
على بيادر التساؤلات لا تصفدها قناعات مطلقة لهذا البؤس
لهذا الكره على سيناريو تحركني أدواره ...
في مقابر صمتي دهشة تتعثر
إلى أي ظل هذه الدمية تأخذني
ما عاد شيء يشدني رغم كل محاولتي
لكني أخفقت
أريد نهر يبللني
أغتال خوف الطوفان
يرميني غموضه باللا ممكن
أريد شمس مرئية أشرق
معها تحملني لدرب الضوء
أريد صباح أستيقظ به
أخطو نحو قبة الربيع
وأطير
لكن يا فان كوخ
متلازمة البؤس تغتالني
قزحية الألوان باتت باهته بروحي
ريشتي ترسم ... أأنتحار يشبهك ..
في الروح ضيق رغم صوت الشعر
أنتحر الف مرة على الكتب
أرى السراب زائر قادم لقصائدي
تعانق يده أنفاس الأديم
يخطو نحوي يا فان كو ...موت بطيء
هل أسير وحدي بين هذا الضباب؟؟؟
أسافر بكل المرايا
ملء المدى وأرى فلسفة الكون بلوحتك
هل أقنع الشوك؟
إن الورد يغادر رماديا وبفمه يتباسم عطر الوجود
ملهمة عين قلبي
ستخبرك بصمتٍ حزين
ويا ليتني ... ويا ليتني لا اُخفق يا صديقي!!؟
...
سؤال يطرح في نص يبدأ بعتبة رسام عالمي ألا وهو فنسنت فان كوخ هولندي الأصل توفي عن 37 عاما ، والذي عاش فترة مأساوية عصيبة ، وتُشكل الحادثة الغريبة في قطع أُذنه ليس إلا لتغيير ملامح وجهه لا كما أرادته الطبيعة ، والحياة التي عاشها من خلال ما أراد أن يجسدها بتلك لوحاتِه وتجسيدها من خلال ألوانه ما هي إلا العنصر الأساس لمتنفسه مشفوعا باللهفة والإشتياق والأحلام .
بملازمة شخص إلى جانبه ، وعلى لسان حاله قال (لن أعيش بدون حب) ، كان رساما بارعا وأديبا مرهفا حين يمتعض لدرجة اليأس بما خطه قلمه ( كل شيء حلم هباء أحلام وريشة التراب تخدعنا في كل حين) ، لينهي حياته منتحرا بطلق ناري ،
لعل المدخل الذي شكلته شاعرتنا في أول النص ما هو إلا بداية ميلودرامية واسعة في معالمها الحسية ، وفي إيجاز للدخول الى عوالم أخرى يستجد ذكرها من خلال طرح وتهيئة فكر المتلقي في موضوعة الحب والكراهية ، مسبوقة الحدث في أسلوب ذكي يدعنا أن نتسائل عن ماهية ربط الحدث بملامح النص أو العقدة في الحياة البائسة لرسام مغمور ، كما مفاهيم جدلية الموت والحياة حينما مدت العلاقة الصورية وربطها بما آت من مدلول مشترك ملازم في التشبيه ومخاطبة الرسام /عزيزي/ بشكل تقارب روحي لما يكتنف التشبيه لنفس حالة الإمتعاض لدرجة كمن يسائله عن تلك المعاناة الشبيهة التي جسدتها ذات الشاعرة والرسام سواءا بتجسيد المخيال أو بتمكن بارع في سرد وربط ما تلى من مفاهيم في نضد النص.
حين تسائَلتْ الشاعرة ، /كيف لي أن ألثم النهايات والكره والحب مرايا معكوسة/
إذن لا يسعنا إلا ان نلتمس موضوعين الأول مفهوم الكره والحب حين ، قَدَمَتْ الأول على الثاني ، لنأخذ أولا هل الحب وجها آخر للكره ولماذا نحب ونكره أو العكس : هي تناقضات إنسانية في مخابر الحياة العاطفية وكلنا قد مر في تلك التجارب الشديدة التناقض وبمفهومنا هما وجهان لعملة واحدة ، فكينونة النفس البشرية تتغذى روحيا على الحب لتنمو المشاعر وتصطفي بأحلام وردية مع المعشوق ليبدو له العالم أجمل وأكثر نقاءا ، لدرجة تترك الذات في عوالم روحانية بعيدة عن كل المتناقضات للبحث عن الكمال والإكتمال بفارق المعايير الخاصة لكلٍ حسب إرهاصاته الحسية وتكوينه البيئي والعاطفي في درجات الحب ، أما المفهوم بإجتهاد شخصي للكراهية موازية أجدها للحقد ، في عدم المقدرة على الإنتقام بإستخدام أساليب دنيئة مما يحفزها لرغبة في التفنن في إيجاد السبل لتنفيذ تلك الغايات للتنكيل أو شرعنة الإنتقام بالإفتراء أو الإيذاء المباشر أو الغير مباشر ،" بعد أن نوهنا بهذين المفهومين للحب والكراهية ، نستمد من المدخل الأول فيما أجازت له الشاعرة في تقديم الكراهية في نصها على الحب ، وهنا ندرك إن الغالب ويكاد يكون المعهود لما آل أليه الحال في التسيد / الكراهية/ ، وليس من منظور تشائمي بل لتأثير هذه الصفة ووقعها المؤلم على الذات المُحبة ، فالزمن هو نفسه والمتغير بإختلاف الطبائع هم الناس حين يرتفع لديهم سقف الكراهية ، أذن الإنسان هو معيار زمن الحب والكراهية ، ولعل المفهوم الحسي للشاعرة حين تسائلت
/كيف ألثم النهايات للكره والحب مرايا معكوسة/
، أذن نستشف وكما نوهنا في مدلول الكراهية نجد إنها اختارات النهايات ، ولِندرك حتى البدايات لم تكن إلا معسرة مشوبة بالقلق والمعاناة فكيفما النهايات ، حين ترمز للمفهومين بإلتفاتة ذكية أن يصبح
/الحب معكوسا حين تبصره المرايا/
ليكون كرها والعكس أيضا ، دلالة على الزمن المتناقض في حيثياته وتعدد الأقنعة وغياب المصداقية لدرجة المقت والنفور ،
/لن ينتهي هذا البؤس
يا فان كوخ
نتلون به الى ما لا نهاية
هكذا تصرخ الحقيقة بوجهي
أتغذى من صفعاتها الحانية بحزني
حاولت يا صديقي!!
هل أبالي/
ونستدرك مرة أخرى شساعة غياب الأمل وحضور اليأس وغياب النور وسط عتمة الأفعال المجهضة، وخيبة في مرارة بائسة ، تؤكد فيه مخاطبة فان كوخ كرمز للمعاناة رغم العبقرية الفذة التي كان يمتلكها ، تناقض يستدعينا أن نقف هنا ، لعله الإبداع وصفو الروح وسريرة النفس صعب أن تجد لها مكانا وسط زخم مريب بالأحقاد ، وهنا إستعارت مادة الألوان تشبيها بأنواع الملمات وبكل عذاباتها التي لن تنتهي، أقنعت ذات الشاعرة لإيصال الحقيقة لدرجة الصراخ تأكيدا على فضاعة الأمر لدرجة تعودت على تلك الملمات المتوالية وبشتى ألوان عذاباتها التي لا تأبى أن تنفك وتنتهي بإدراك كل ماهو يألم الحزن بالحزن ، لدرجة تعودت وأستطابت الروح لهذه الصفعات الخائبة بحيث لم تعد تبالي
رغم محاولاتها ، بكل ترفها الناصع وهشاشة الروح أن تقف أمام هذا الزخم السافر من الويلات بتعجب وإندهاش ساهم ،
(تستدرك هنا الشاعرة)
/أمزق ثوب الوهم وأرتدي وجه النجوم بألوان حلمي
لم أمت بعد يا صديقي!!
سأنبت زهرة بشعاع المعاني حين تُغيبني السنون
وأخرج من الحقيقة بسراج يشتعل
كأنه بريق الكآبة نحو الضباب يمضي بي/
كأنما تنتفض في محاولة لإرجاع الذات لإزاحة هذا الوهم الذي آزرى وأوغل نصاله ، مستخدمة عليائها وكِبرها وترفعها وكينونتها المجبولة على الحب ولو في حلم مستديم خير حاجز للحفاظ على سلام الروح والتشبث بأمل يدفع عنها موت تلك الروح التقية ، العرفانية، فهي تمتلك تلك الصِلات والتواصل الروحاني مع الخالق،
/ لم أمت بعد يا صديقي!! /
بعد أن الحقت علامة التعجب نافية عنها الموت ونستدرك هنا ليس مفهوم الموت غياب الروح أو الموت سريريا
، بل تقصد الإنتقال لإنبعاث آخر من حالة إنسانية الى حالة بايلوجية أحيائية أشد جمالا وزهوا ونقاء بتغييب كل محدد تكويني والإرتقاء اللازم الى حالة خلقية لصيرورة ولادة متسامية من رحم الطبيعة الأم ، أشد جمالا وسلوكية ربانية تكوينية إلا بمطلب الإنفلات من سنون مضنية والتلاشي بعد التسامي وسواء من حالة الأنسان وتداعياته والتصير الى ولادة إنبات زهرة / سأنبت زهرة بشعاع المعاني حين تُغيبني السنون/
في حُلة مزدانة بالنور والمعاني السَمحة والنضيرة توحي بعالم قائم في ذاته يدهشنا بعيدا عن كل الملوثات والأحقاد مبتعدة بسراج تؤازره بوهج مشتعل ، لتنقل لنا الشاعرة أستخدام سُبل بمعنيَيَن ، الأول سرعة الخلاص للتشبه بحالة برق تبدو بشكل شرارة مشحون أَثْرتها بما تحمل من ترميز للكآبة والخروج بأقصى سرعة ، والتحرر من تلك المساحة الموبوئة الضيقة التي طالما ألقت بعتمها وتسلطها وتجبرها وتغيبيها لكل ما هو يصب في خانة العدل والتسامح والإنصاف . هنا إشارة لبيبة للخروج من عنق الزجاجة
والتي فضلت تشبيهها /بالحقيبة/ والإنطلاق الى رحاب ضبابي في بعدٍ آخر علها تزيح عن كاهلها كل الزخم الماثل من الإحباطات والحزن .
تستطرد الشاعرة ،
/ما للنوارس تتسلل أنصاف مشاعري وأناي يجدل للكون روحي قصيدة..
يا كوابح الضجيج !!على بيادر التساؤلات لا تصفدها قناعات مطلقة لهذا البؤس
لهذا الكره على سيناريو تحركني أدواره/
/ ما للنوارس /
هنا فَضَلتْ إستخدام ما الأستفهامية، لغير العاقل( حيوان أم نبات) .
متسائلة كيف لهذه النوارس ؟ والنورس طائر مائي يعيش على الشواطئ ، جميل يسر الناضرين وعليه يستوجب الأيضاح إلى إستخدام هذا الكائن الحيوي في مدلوله المحبب الى النفس ليس من باب التعنيف من خلال تسائله باقتاحمه متسسللا بل دلالة بينة حتى في صفو المشاعر التي تسكنها هذه الروح تتسلل لها هذه الطيور الجميلة وهي (ذات الشاعرة) وهي في شغل شاغل بما هو أجمل ألا وهو ضفر قصيدة من أنصاف تلك الروح السارحة السابحة في الملكوت تهبها بشساعة الكون .
/تتسلل أنصاف مشاعري /
ياترى ما هو النصف الثاني الذي لم تفصح عنه الشاعرة ؟
والبْيّن إن الإستخدام اللغوي في معجمية تراكمية للمعاني الحسية واللفظية هي في تقنينها ولمجرد أن تهب النصف ليزخر الكون بما ضفرت بهذا الزخم المترف من روح القصيدة
كيفما لو كان النصفين معا . هنا مكمن الجمال في براعة أخاذة تتوالد منه سحر البيان .
تسترسل الشاعرة:
/يا كوابح الضجيج !!على بيادر التساؤلات لا تصفدها قناعات مطلقة لهذا البؤس/
(بحجم بيدر) تشبيه آني آخر
زخم كبير لا تسعه ولا يتحمله كل هذا العهن السافر من أسألة متداعية لزمن مقتر ظلوم .أسألة أدرستها المناقب تكاد تضج تبغي الإنفلات ولا من جواب أو نفاذ ، سوى قيود متعنتة مصفدة دون إقتناع لا تكبحها الجماح لَجَمَتْ فاه الجواب ،إن البؤس لم يزل مقيما لا تقنعه كل المبررات وقد أزف يئن بإنفلاته المطلق .
وتتمة أخرى
/لهذا الكره على سيناريو تحركني أدواره/،
عودة الى الذات في حديث مشبه بالتغاضي وشيء من عتاب ، حين يمسها إيلام الاخرين بما تطرقنا أليه مسبقا من ماهية الكره والشعور بإلقاء ظلاماته على روح نقية تشهد خيوط لعبة ماكرة مستوعبة ما يحاك ناظرة بعين القبول ليس إلا للسمو الوجداني والترفع بكبر الملائك والإكتفاء بالنظر لتلك الدناءات وما تحاك من تآمر ودسائس طابعها الكره والحقد ، وعلمها علم اليقين إن الطُهر لن ينالو منه ،فلن يحيق المكر السيء إلا بأهله ، وكم هم بائيسين بما يفعلون .
عودة وتتمة لنص الشاعرة
(وفي مقابر صمتي دهشة تتعثر
إلى أي ظل هذه الدمية تأخذني
فما عاد شيء يشدني رغم كل محاولتي ... لكني أخفقت)
حين يكون الصمت مقابر بتشبيه من طباق المقابلة يستكين بالسكون ،
/ مقابر / أتخذت صيغة الجمع دلالة على الكم الكبير من شواهد الصمت في زخم شساعة أكبر للمقابر والتي وظفتها لتوضيح كم كبير للمواجع والتي أرتأت الصمت المدفون عميقا خير ملاذ لها ،
وفي إنتقالة حسية متوازنة لربط واقعة الصمت في تجسيد
الذات /بالدمية/ ، دهشة تتعثر لسؤال تَمَثَلَ بدمية لا تجيد الرد أو دفع ما ترمى به من إفتراء . دمية تسامت بقنوط مُجترِح مؤلم تكالبت عليها شرر التشيطن وأسلمت لهم الإيغال في الطعان ..ومرارة ثكلى وآمال يائسات قد أُحبِطتْ لديها الطموح ولم تعد تأبى فاكتفت بفيضٍ دافق من السلام ورضا النفس . رغم قتامة الأشياء من حولها .
/أريد نهر يبللني
أغتال خوف الطوفان
يرميني غموضه باللاممكن
أريد شمس مرئيه أشرق معها تحملني لدرب الضوء
أريد صباح أستيقظ به أخطو نحو قبة الربيع ... وأطير/
نتبع خُطا هذه الإنتقالات بعد أنغماس في القنوت وصمت المقابر ، إلى مورد للحدث ،/ نهر / ، /طوفان/ .
واضح إن للنهر طبيعته الهادئة ينسل رقراقا عذبا طهورا أرتأت شاعرتنا في حبكة رؤاها أن تنعم بِبَللِ ماءه لتزيح عن كاهلها أدران ما علق بها من تُرهات وخداع ونفاق وإفتراء الآخرين ، تغتال به / الطوفان/ في تعبير هادر مُغرق مجازي له ولكل ما هو ينصب في خانة الشر والصفاة الدنيوية اللا أخلاقية، متوسدة مساحة لا وجود بها لهذا العنت المقيت ، مبتعدة عن كل ما يعكر صفو النقاء والسلام ، فالطوفان هنا الصنيعة الهادرة لما جنته يد الأنسانية من فعل التمسك بعرى الشيطان.
/شمس مرئية/ ، هنا تتكشف فيها طبيعة الشمس المرئية والتي يتراءى خلف ضياؤها تغطي بأقنعة وجوه مخادعة رغم وجود الشعاع فهي في عتمة تطغى سوداوية من نتاج تلك الوجوه المرائية ،
/أريد شمس مرئيه أشرق معها تحملني لدرب الضوء/
تمني النفس لشمس بمعناها الحقيقي تنشر الضوء على زوايا العتمة تُزيح معالم المستترين وتكشف زيف أفئدتهم .تشرع دون توقف تسبر الدروب بشعاع متوهج يبهر الناظرين شعاع في مفهومه الترميزي أن ينشر السلام ويمحق البغضاء ، تستقبل الصباحات بآمال كبيرة وروح مفعمة بالسعادة لدرجة التحليق الى عرائش مزهوة الألوان ودنيا كلها مواسما وربيعا لا ينتهي .
(تسترسل الشاعرة)
/لكن يا فان كوخ
متلازمة البؤس تغتالني وقزحية الألوان باتت باهته بروحي
ريشتي ترسم أأنتحار يشبهك
في الروح ضيق رغم صوت الشعر
أنتحر الف مرة على الكتب/
بإستخدام حرف العطف والإستدراك
/ لكن/ تخاطبه روحا تَبث له ما يعتريها من ما اعتراه ، ومن ما ألَّمَ بهما من بؤس( الرسام والشاعرة ) ، تخشى النكوص كمن يبحث عن مخرج لكل هذا الشقاء حتى الألوان تلاشت باتت لا تبالي لتداعياتها ، تُقارِب هذا الوهن بلوحة مميتة في عمق أبعادها الحافلة ب(كوخ) وما اعتراه ، فتلتجئ مستبدلة القلم (بريشة) :غياتها التقارب المادي حتى في الأداة المستخدمة من قبل الرسام وقد تسعفها لِتخُط متنفس للشعر بقتامة تضيق بها الروح وإنتحار مشفوع متكرر لا ينتهي ، تُفرِغه إنبعاث متكرر بعد فناء بالقصيدة .
/أرى السراب زائر قادم لقصائدي.
تعانق يده أنفاس الأديم
يخطو نحوي يا فان كو كموت بطيء
هل أسير وحدي بين هذا الضباب؟؟؟
أسافر بكل المرايا
ملء المدى ... أرى فلسفة الكون بلوحتك/
في لحظة إنسلاخ من عمق البؤس الى الإستدراك في إنتقالة ضبابية لزائر يكاد تتوجس أن يعتريها فوق هذا الشجن بمحض سراب واهن يزيد من المعاني الحسية المشبعة به أسى الكلمات إغراقا يثقل عاتقها في متنفسها الوحيد يفترش لظى أنفاسه مساحة ما أثثت له من موطئ للخلاص ، متشبثة بسؤال تعتريه مخاوف مجهولة لقادم ضبابي النزعة يستتر ، ( وتساؤل بنداء) أو بأيصال رسالة إيحائية لإمتزاج ذياك الوجع والبؤس المتشابه المستديم عله يشفع النداء هل من منفذ لغير ما آل بك الحال هل من درب ممتلئ بالنور يحجم عن الروح كل هذا العهن من اليأس .
/ وأسافر بكل المرايا/
إنتقالة بأماني مشبعة بالرجاء . حيثما أستعادت المرايا من بداية النص بما نوهنا عنه وما تحمله من تلازم معرفي للكراهية والحب بازدواجية معكوسة تلبستها أقنعة عدة للوجه الواحد للانسان ،
تمني النفس لو لملمت عطب كل المرايا وبما تحمل من تأسي وتتحمل وزره مبتعدة عن كل ما يؤذي عالمها،
/ ملء المدى وأرى فلسفة الكون بلوحتك /
رحلة تطوف بها الروح الى عالم لا مدى له يسع الجهات تحمل (لوحة) كَدالة ، والمعنى الحقيقي ( فان) .
والمدلول ذاتها ، لعلها تحرر تلك الروح من الشقاء وما حملت من همٍ تثاقل بأوزار دنيوية موجعة ، وتجد كل الاجوبة المتحررة من هذا الوجع الطاغي بملكوت لا تشوبه شائبة وعالم سرمدي ينعم بالأمان ،
/هل أقنع الشوك؟
إن الورد يغادر رماديا وبفمه يتباسم عطر الوجود
ملهمة عين قلبي ستخبرك بصمت حزين
ويا ليتني ..ويا ليتني لا اُخفق يا صديقي!!؟/
ترميز موسوم يختلج السؤال/الشوك/
بكل ما يحمل من معان للوغز وحدته وإيلامه وهو نتاج حتمي لتسليط الأذى من قبل بعض البشر الموغلين بالأيذاء ، وحين يراودها السؤال بصيغة الرفض / هل أقنع / والحتمية أن الإقناع لا يُجدي فالوردة في أول النفوق يضج عطرها بعد أن أجتثت ، وهنا ايضا يكون الرد مطواعا سلسا بأن يغادر عطرها مبتسما . أي برضا وإقتناع وطهر من أي دنسٍ يتماهى بها الوجود ،
/ملهمة عين قلبي ستخبرك بصمت حزين/
ويا ليتني ..ويا ليتني لا اُخفق يا صديقي!!؟/
توكيد للتعاطف تتشح بها الرؤيا حين يبصر القلب للنتيجة الحتمية التي نقف طويلا عند هذا الإخبار عبر التواصل العرفاني ، والمُخاطب لذاتها الآخر المتمثل ب (فان).
/ستخبرك بصمت حزين/
تُرى ما هي النتيجة الحتمية أهو الفناء أم وسيلة مأساوية للخلاص أم شرعنة الإنفلات بروحانية نحو التسامي لملكوت آخر . ولعله الصمت الحزين إخبار يدعو للإنكسار في تتمة القرار . لتضعنا الشاعرة في تساؤلات متعددة ما بين الحياة والفناء أم الخلود بإنعتاق وتحرر للروح من الجسد ،
/ويا ليتني ..ويا ليتني لا اُخفق يا صديقي!!؟/
(باستخدام واو العطف وياء النداء
وليت حرف ناسخ يفيد التمني) .
أذن لشدما كان الإصرار على الشروع بتحقيق ما تنشد أليه وما سعت لإجله بعد كل الإرهصات والبؤس والمعاناة ،بعدم الإخفاق أو التراجع ، ويثيرنا مرة أخرى السؤال الذي بات مفتوحا ومتعدد الأجابات تدعنا أن نفكر كثيرا لما آلت إليه نهاية المطاف
أيكون التداعي إخفاقا أم كما نوهنا في تحرر الروح من الجسد بغير موت أو إنسلاخ الروح والجسد معا ، لتصل سبل التحرر والنجاة ، ولِمَ ذيلت آخر النص بعلامة التعجب بمعنى النهايات غريبة في شرعنتها الأنسانية ، منتهية بأداة الإستفهام ، بإقتناع قد يكون متزمت وإجحاف متردد للذات ربما ،لتترك لنا خيارات متعددة وتجعلنا نشحذ الفكر للبحث عن إجابات شاسعة في رؤاها عميقة في بنائها الروحاني الذي أنطلق من مكنون ذاتها للكون المادي بكل تناقضاته وبؤسه ، تجلت بإثراء وتحشيد شجي موجع وعرفانية
مهيمنة باستعارات متجلية باللطائف عالية الحسية . وترميز وجودي يتجلى بذلك الصوت الهادئ تارة والمحتدم تارة أخرى ، أعتمد مصدره القلب وهو اساس الأداة والمواجيد الروحية ومرتكزها وهبيّ متسامي المعاني ، ..
توغل النص لمعالجة مضامين إنسانية بحتة نعتاشها مرغمين و تترك آثارا لا تبغي الإنفلات من أصواتٍ تئن تلج مساحة الإنكفاء.
ولا بد أن أشير الى ماهية النص الروحاني من خلال عدم الإهتمام بالإستدلال والبرهان العقلي والاعتماد على حقائق وجودية لجوهر العقل الباطن من خلال الترابط الروحاني للحدث بصفته وآثاره الحسية وزجه في معترك مزدوج للذات للخروج بطريقة وجودية للإشراق .
نجد النص في عموم فحواه ذات شحنات تعبوية نفسية زاخرة بالمعاني الحسية وعبر علاقة وطيدة مع المتخيل برغم فارق الزمن والمكان وكيان مسيطر على روح النص ، ونلحظ أيضا إنفلات الايقاع الموسيقى الداخلي تارة وتعاود الحفاظ عليه تارة أخرة حتى تترك الاثر النفسي ، ليشفع لها طغيان الحدث في سلاسته وشجنه وإرهاصاته في الأسترسال بشكل يدعونا أن نتعمق أكثر في التراكيبية اللفظية والتكثيف الجوهري للصورة الشعرية، فكان اشتغال لغوي وصوري موفق ، شاعرة ذات بنية نفسية حادة الحسية تلج الأشياء وتسبغ وتهيء لا إراديا لأدواتها ألشعرية أن تكون مطواعة. وتعيشها صورة وحدثا دراماتيكيا بتقمص عالي ، تجعل المتلقي او القارئ يستسيغ الصدق في وقائع النص وتراص أحداثه ، لدرجة تجعل المتلقي او القارئ يستسيغ الصدق في الوقائع وتراص أحداثه ، ويتعاطف مع النص والناص .
النص تجلى وبتمكن دعانا أن نُحلق في مداه وأن نتوسم ذياك الوجع المنسوج بين الكلمات بشغف شجي يتلو شغف .
ملاحظة مهمة لابد من الاشارة لها
في النزعة الروحانية في اللغة الشعرية وفي الذات العرفانية للشاعرة ومواجيد القلب العاطفية ، وخلجاته الترفة لتتحلى بلغة الوجد والكشف عن تجربة روحانية باطنية متفردة لملموسات وحدس كبير في الأشراق المعرفي والإيغال في ذات الأشياء، وما لهذه الروح من هيبة وبهاء لتخترق الألفة بالغرابة لتفجر لها الرؤيا بمعرفة نورانية
لا يسعني إلا أن أشد على يدها ،
شاعرة ذات طلاوة لغوية متميزة وخيال يستطيع أن يوظف الحدث أنما يشاء . متمكنة في خلق الصورة . متسلحة برصيد لغوي مشبع . ومنسجمة مع ذاتها وأدواتها الشعرية .
متمنيا لها دوام التوفيق وللمزيد من العطاء والإزدهار .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق