دراسة نقدية للنص // كم ربيع مضى // للأستاذة //عطايا الله // بقلم الأستاذ // وليد البهرزي

كم ربيعٍِ مضى

يتأبطُ غمامةً أسملت عينها

بقطراتٍ لاعجةٍ نحو شفاه

تبكي الاغترابَ

وربيعي كاليتمِ هناك

يتقوقعُ في ظلِ

جدارك الايل للسقوط

يبكي.... الامنياتِ مسروقةَ

بليلٍ عقيمٍ

لا احلمُ بليلةٍ صاخبةٍ

تسيلُ بها احاسيسُ

على نارٍ تشظت ..وتركتني

جمرا مخبوءًبلا شررٍ

أتنفسك سيلا عارما

من شهيقٍ

يكادُ احيانا يخنقني

ولا ازفرك .. خوفا

من انفاس تطعنني

بلا رحمةٍ

لايهمني ذئابُ الغابِ

حين تعوي بليلٍ باردٍ طويلٍ

فأنيابك الغائرةُ في اوصالي

تدقُ اجراسَ انذارٍ

تقطرُ بدمائهم ..

أرتجيك ...لو كنت خريفاً

مغادراً ..فأنا على اعتابِ

ربيعٍ بلغَ عامَه المنسي

على جدرانِ التقاويمِ

ليتك الفصولُ مجتمعةً

ليس لأجلي ...بل لأجلك

كي تمسحَ الحزنَ بذهابِ العمرِ بلا سعاداتٍ

انا بعضُك المفقودُ

على اعوامٍ مضت بلاقيود

أمهلني لحظةً ..لأحزمَ حقائبي

فما تبقى منك ومني

لاينتظرُ التفكيرَ

والخططَ البديلةَ

#عطاءمحمد

(كم ربيعٌ مضى)

الشاعرة..عطايا محمد

القراءة النقدية..الاستاذ وليد البهرزي

في البداية لابد ان نعرّف النقد الادبي ولو بشكلٍ بسيط ونستطيع ان نقول بأختصار كما يقول رواد الادب هو اسلوب من الاساليب النقدية التي اعتمد عليها كثير من المهتمين في الادب والثقافة لبيان موضوع معين وتحليله وتسليط الضوء على قيمة النص الادبي وتحديد نقاط قوته او ضعفه في آن واحد

وعند كتابة اي نص ادبي يجب على الكاتب ان يكون ملماً بخبايا ذلك النص بشكل صحيح ويعتمد اسلوبا ادبياً في كتابته ويحاول جاهداً ان يحل طلاسم ذلك النص كي يفهم القارىء ماهية الغاية الاساسية من تلك الكتابة

هناك الكثيرممن كتبوا عن الدراسات النقدية في مختلف انحاء العالم الا ان الكاتب الفرنسي المشهور(رولان بارت)يعتبر من اشهر الكتاب في زمانه وكذلك ممن كتبوا النقد ميشيل فوكو وجيل دولوز وآخرين

عتبة النص..

اي نص ادبي يحتوي على عتبة. وهي احدى الدلالات التي تعد كمدخل تسبق بدن النص او محتوياته الرئيسية وقد تكون تلك العتبة اشارة لعنوان معين او باستطاعتنا ان نسميها المقدمة ولاتكتمل روح النص الادبي الا بهذه العتبة هنا اود ان اذكر ان الكاتبة تركت عتبة النص مفتوحة للقارىء ليختار هو بنفسه العنوان لهذا النص الادبي الرائع فقالت كم ربيع مضى لتترك القارىءهو واحساسه يتصور ان العمر كله ربيع وقد مضى فأين القارىء من ذلك الربيع هل هو بآخر قلب ارتبط به... هل هو ذكريات مضت وانتهى زمانها؟

البدن..

(يتأبطُ غمامة اسلمت عينها)

يتأبط..تأبطاً فهو متأبط هنا تقصد الشاعرةان الربيع قد يشبه تلك الغيمة المزمرجة التي وصلت الى ذروتها واسلمت الى ان لاشيء هناك سوى المطروالعين عندما تتألم تغمض جفنها فتنهمر الدموع المؤلمة نحوتلك الشفاه التي تشكي وتبكي لوعة الاغتراب والفراق

(وربيعي كاليتيم)من هنا نستطيع ان نستنتج حجم الوجع الذي اصاب تلك الشفاه كألم ذلك اليتيم الذي لاسند له وقد تكالبت عليه مصائب الدنيا ولا يملك غير البكاء

ذلك الربيع الذي بدأ بالتراجع الى ان استقر بخجل. وخوف حتى انزوى في (ظل جدارك)هنا سندك وقوتك وعزيمتك التي بدت للأسف آيلة للسقوط وحال ربيعي يبكي فكل شيء ذهب في ادراج الرياح حتى الامنيات(كانت مسروقة بليل عقيم)..

الليل ليل العاشقين. والسمر.. ليل الاماني. واللحظات الجميلة..ليل المسامرة والندامى لكن كل هذه الصفات ماعادت قائمة في ذلك الليل الذي بدأ موحش

كأن الاماني محدودة ولم تكن تطمع اكثر من المعقول كانت قد رضيت بالقليل وليس بتلك الليالي الملاح التي كانت تتفجر منها الاحاسيس شوقا.. انها كانت ليس تلك النبرات المتعارف عليها التي تعطي دفء لامثيل له

تلك النار التي كانت متشظية بائسة تنازع لذة الحياة

(جمراً مخبوءُ بلا شرر)كانت شبه نار وليست نار حقيقية نار لها شكل جمر خافت ليس به شرر قد ودع ذروته وما قيمة الجمر الذي لايحرق؟

السيدة ام كلثوم تقول(كل نار تصبح رماد الا نار الشوق)هذه الاستعارة الرائعة تدل على ان كل النيران تنطفىء مهما سعرت ولكن في النهاية ستنطفىء حتما الا النيران المتقدة في قلوب العاشقين ولكني رأيت جمرا ً خافت لا اتقاد له

(اتنفسك سيلاً عارما من شهيق)

يدخل صوتك وروحك وذكرياتك الى جسدي نفسا عميقا كسيل ماء عارم يجرف في طريقه كل شيء يغوص ذلك النفس في اوصال جسمي يود لويمكث هناك ..لو يطول بقاءه حتى (يكاد يخنقني)من شدة قوته ورغم كل هذا الالم اود الاحتفاظ به الى اخر لحظة ولاأزفره شهيقا خوفا من فقدانه

(لايهمني ذئاب الليل)تعني حديث الشامتين لم يعد الان يهمني فكلامهم كعواء ذئاب مسمومة تنازعوا على فريسة واحدة في ليل بارد فحين لايحصل الذئب على فريسته يبدأ بالعواء

وياتي صوتك الذي يسكن اوصالي وذلك التمسك القوي كانه جرس انذار لكل تلك الذئاب إن ابتعدي عن كل تلك التفاهات بحق من كانت جزءاً مني اهربي فلن تحصلي على مرادكِ

(ارتجيك لو كنت خريفا مغادرا)

انا متمسكة بك مهما بلغت التضحيات فمصيري معك اينما ترحل والاحتفاظ بمن نحب له الف طريقة...الخريف يعني تساقط اوراق الشجر بعد نهاية امل كان منشود..سبات.. وترمي الشاعرة هنا ان يؤجل الخريف موعده ..يعني ان لاترحل ان ينتظر فهي ربيعه الذي سياتي بعده والذي لاتعلم حتى تاريخ قدومه في كل تقاويم الزمن

تتمنى الشاعرة ان يكون هو كل الفصول مجتمعة كل فصل يستقبل الاخر دون انقطاع ليس لشيء ما ولا لنفسها وحدها بل لأجله ايضا كي تمسح كل ذاك الحزن الذي عصف بالدهر والعمر بدون سعادات ولا امنيات تحققت

(أمهلني لحظة لأحزم حقائبي)لم يعد في العمر بقية وقد

أيقنتُ ان العيش بدونك مستحيل لذلك اعطيني فرصة.واحدة كي احمل جراحي وأحزم امتعتي وذكرياتي ذاهبة معك الى اي مكان فالمصير مشترك

(فماتبقى منك ومني)مابقي من العمر لايسا وي المغامرة ولا يأخذ حيزاًكبيراً من التفكير

نعم لقد قررت وهذا قراري فلا عيش بدونك ولا خطط بديلة

اللغة .. استخدمت الكاتبة لغة فصحى سهلة الفهم والمعنى فيها من المعاني مايفرح القلب فيها على سبيل المثال اسلمت..لاعجة..يتقوقع.. جمر مخبوء..ازفرك...غائرة

الزمان والمكان ....

استخدمت الكاتبة زمن الفعل المضارع من خلال الكلمات.يتأبط..تبكي.تسيل....تقطر...تمسح..ينتظر

ممايدل على ان احداث النص معاصرة تحدث الأن في وقتنا الحاضر

خاتمة النص. .كانت رائعة فقد قررت وبدون تردد ان تسافر معه بعد ان ايقنت ان المصير المشترك نجاح للطرفين لذلك هذا الامر لاينتظر اي خطة بديلة

التشبيه والاستعارة.... قطرات لاعجة ..سيلاً عارماً انيابك الغائرة ..بعضك المفقود

استخدمت الكاتبة هذه التشبيهات بطريقة مميزة بما يوازي ويلائم احداث النص والاحاسيس المكبوتة في ذلك القلب الموجوع

لجميع القرّاء الاعزاء ليس من الضروري ان تكون كل قصائد الشعراء تعبّر عن حالتهم الشخصية وانما هو احساس قد نكتبه على الورق او شعور يأتي في لحظة معينة

شكري وتقديري لما كتبته الشاعرة السامقة والمجتهدة عطايا محمد فقد اجادت صياغة نصها بحرفة ادبية متقنة وباسلوب ادبي مميز متمنيأً لها مزيد من النتاجات الادبية في القادم من الايام

#الاستاذ_وليد_البهرزي