في قصيدة " رغبة مستعرة " للشاعر العراقي قصي الفضلي
بقلم الأديبة / د . لطيفة الأعكل - المغرب
للجسد كيان خاص يولّد مجموعة من الدلالات الحركية الإيمائية التي لا يمكن قراءتها أو استيعابها بعيدا عن تحديد خلفية ثقافية بحيث أن هذه الحركة الدلالية الإيمائية الصادرة عن الجسد هي التي تخلق الفضاء الشعري وهي التي تجعل الخطاب الجسدي خطاباً ثقافيا يحمل في عمقه الكثير من الدلالات الحركية التي توحي بما هو أكثرعمقاً من ما يعبر عنه اللسان .
ورغم استقلالية الكيان الجسدي إلا أن كل التعابير الحركية الدلالية لا يمكن أن تقرأ دلالاتها العميقة إلا من طرف شخص آخر / المشاهد .أما عن الحركات الإيمائية الجسدية التي مبعثها التقارب الجسدي بين الجسد الذكري والجسد الأنثوي فمبعثه الرغبة الملحة للجسد وفناء جسد في جسد .وكلما ازدادت هذه الرغبة، كلما تحرر الجسد من صنميته وأصبحت الايماءات الدلالية الحركية أعمق تأثيراً في تحررالخطاب الشعري الجسدي حيث أن الكتابة على الورق هي متنفس الذات
وهي اختزال للجسد في كل شيء ،وهي مرجعية لغته الشعرية.والقاريء المتأمل في بعض نصوص الشاعر العراقي قصي الفضلي يلمس تأثر كتاباته بالشعرية الجسدية ، وهي ظاهرة ملموسة في الشعرالعراقي، تجلت فيأشعار بعض شعرائه ، حيث أن الجسد يمتاز بثراء الدلالة الشعرية وقد تكون المرجعية في ذلك تاريخية حضارية تعددية ، وقد تكون وليدة ذاكرة حاضر مليء بالقسوة والمرارة( الحرب والدمار في العراق)/ ،ونفسية منهكة تبحث عن ذاتها ،عن كيانها ،عن حقيقة وجودها ،عن فقدان شيء مجهول بداخلها.
وبعد قراءة القصيدة والتمعن في معانيها وسبر مواطن الجمال فيها، نجد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل استطاع الشاعر من خلال قصيدته “ رغبة مستعرة "،/ والتي تصنف ضمن قصيدة النثر الحداثية /أن يبدع في رسم جمالية هذه اللغة الشعرية الجسدية وإبراز أبعاد دلالاتها الإيمائية الحركية ؟.
يرسم الشاعر قصي الفضلي بعنوان قصيدته " رغبة مستعرة " فضاء شاعريا متحركاً من خلال الحركات الجسدية الإيمائية الدلالية والتي هي لغة الحواس / المشاعر، القلب ، العين ، اللسان ( الصرخة) اليد / التي تُولّد لغة الكتابة الشعرية الجسدية .
والشاعر يفصح في العنوان عن مشاعر جياشة وشغف ، ورغبة ملحة ولهفة قوية في الاقتراب الجسدي من أنثاه المشتهاة وعند البدء بقراءة النص نلاحظ أن الشاعر ينطلق من إحساس وجداني متخيل ، وبنسيج لغوي عميق الدلالة يرسم صورا شعرية إيحائية إنزياحية.
فهو يُقْبِلُ على حبيبته حاملا صفات حسية حركية ينبثق منها البعد الروحي السامي الطهراني، عازماً على أن :
((يفرغ الجسد المثقل بالبعد الشهواني الرغبوي ، إلى بعد دلالي لتطهير الجسد ))1
( رواية أنثى السراب- لواسيني الأعرج)
وهو يسعى أيضاً الى أن يخلق عالم لحظات حلمية دافئة ، بلغة شعرية جسدية إيمائية ،حركية فهو / مشرق الوجه ، مبتسم ،ينبض قلبه من الوله، وهو عاشق ، شبق الاشتهاء.../
أسيرُ مبتسماً
قادم إليكِ
بنكهة الحلم
على صدري أحمل حقائب الوله
لأمنحك لونَ النغم المشتعلِ بفوضى سرابي
لأفيق أنوثتك
بكل ما أوتيت من عشق
ومع انسيابية النص تستمر هذه التجليات الشعرية الجسدية الإيمائية الحركية من خلال
تكثف الصور الشعرية الإيحائية المؤطرة للصورة الجسدية المتخيلة، المترجمة كتابة / التوق والرغبة للجسد، والسعي للتوحد في ظل لحظة تجلي .
أنتعلُ غيوبة الأمنيات
المضطجعة على قيد الانتظار
وعقارب الوقت المتجمد
تراقص عود ثقابي
رغبة مستعرة
ثورة بيضاء
وفي غمرة العشق والوله يصدح موال الجسد المشتهى، ويشرق نوره ويتوهج،
وتحضر لحظة الجنون / الاشراق/ والاِلتصاق / والذوبان/ وتبرز اللغة الشعرية الحركية هنا من خلال الحس الابداعي للشاعر ، وتفعيللغة الحواس بتقنية عالية تقود الى لحظة الإنعتاق الجسدي.
مرتعش خجلاً
صادحا موال جسدك
ماذا لو غرقت بضبابي .
فعريك المشتهى
يهب جسدي
دفء الأفكار
يحيلنا إلى زمن محترق ،
بين أصابع الشوق
لا يستره وهم الضوء ،
ندعو قبلات الجنون
للالتصاق
للاحتماءِ
خلف عناقِنا الموشوم بأحمر شفتيك
بعد هذه الدراسة التحليلية المبسطة لقصيدة “رغبة مستعرة “يمكن أن نخلص إلى أن الشاعر قصي الفضلي استطاع من خلال القصيدة السالفة الذِّكرِ أن يطوع اللغة الإيمائية الحركية التي تصدر عن الجسد ليجسد بها كلاماً مكتوبا على ورق يصطلح عليه من طرف النقاد ( شعرية الجسد).واستطاع أيضاً أن يرسم لوحة جميلة شعرية باللغتين .اللغة الجسدية الحركية الإيمائية بأبعادها الدلالية، ولغة الكتابة التي ترجمت هذه الأحاسيس فجاءت معبرة بصدق عما يتدفق في قلبه من عواطف نحو أنثاه .وتجدر الإشارة الى أن لغة الجسد الحركية كانت ولا زالت السند والداعم للغة الشعراء المنطوقة والمكتوبة .
النص :
“ رغبة مستعرة “
أسيرُ مبتسماً
قادم إليكِ
بنكهة الحلم
على صدري أحمل حقائب الوله
لأمنحك لونَ النغم المشتعلِ بفوضى سرابي
لأفيق أنوثتك
بكل ما أوتيت من عشق
أنتعلُ غيوبة الأمنيات
المضطجعة على قيد الانتظار
وعقارب الوقت المتجمد
تراقص عود ثقابي
رغبة مستعرة
ثورة بيضاء
مرتعش خجلاً
صادحا موال جسدك
ماذا لو غرقت بضبابي .
فعريك المشتهى
يهب جسدي
دفء الأفكار
يحيلنا إلى زمن محترق ،
بين أصابع الشوق
لا يستره وهم الضوء ،
ندعو قبلات الجنون
للاِلتصاق
خلف عناقِنا الموشوم بأحمر شفتيك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق