قلب الأم لا يخطئ // قصة قصيرة // بقلم الأستاذ // حيدر الدحام

. . ليست هناك تعليقات:

قلب الأم لايخطئ

ليلة ثقيلة قضتها السيدة العجوز ، لم يغمض لها جفن ، تركت فراشها الوثير لتجتاز بخطواتها المتثاقلة غرف الدار المظلمة جيئة وذهابًا ، أقدامها تعاني ألم المفاصل
( الروماتيزم ) وبالكاد تحملها ، تعثرت لعدم إرتداء نظارتها الطبية بعد أن ضعف بصرها ، تسارعت نبضات قلبها مع ضيق في التنفس وتشتت التفكير .
تهيؤات وهواجس تداخلها بإن أمرًا جللٍ قد حدث ، انصب تفكيرها على ولدها الأصغر ( علي ) الذي التحق بكلية القوة الجوية ومجموعة من زملائه في ( قاعدة سبايكر ) ، اختلطت المشاعر بين الخوف والقلق وذرف الدموع ، وبدأت تناجي نفسها :
- يمه علاوي ، وين هسه ؟! نايم ..گاعد ، جوعان .. شبعان ، من فدوه لطولك يمه ..
صوت نحيبها أيقظ أبناءها ، أسرعوا إليها..
- ها يمه شكو ؟! خير إن شاء الله ..!
- مدري شبيه ، يمه گلبي يوجعني ، شو ما مرتاحه !!
بكى الجميع لبكائها واستجمعوا شجاعتهم لتخفيف حزنها وقلقها ، منهم من بدأ يدلك أقدامها ويديها ، ومنهم من رش الماء على وجهها ، ومنهم من وضع رأسها على حجره ..
اِتفق الجميع على أن ( قلب الأم لا يخطىء أبدًا ) وإن مكروهًا قد حدث لأخيهم ..
كان ( علي ) يحب الفكاهة والمزح مع أصدقائه ، ويتحين الفرص لإيقاعهم بحبل مكائده ، أما الضحكات العالية بسبب وبدونه فكانت تدفع ضباط الصف إلى إيقاع العقوبات الجماعية بمجموعة ( الشقايچية ) كما يحلو للجميع تسميتهم بها ..
ورغم أجواء المرح التي اعتادوها ، ألا أن هناك وقتًا مخصصًا للاستماع للأخبار وتحليلاتها ..
- شباب .. هل سمعتم عن تحركات تنظيمات داعش .. وأين وصلوا ؟
- أعتقد أن الموصل سقطت عسكريًا
- لا .. لا .. الأنبار سبقتها بالسقوط
- هل تعتقدون أنهم سيصلون إلينا قريبًا ؟!
- لكن القوات العسكرية قريبة جدًا من القاعدة ، ولن يفكروا بالمجازفة .
لكن ( علي ) بروحه المرحة ضحك عاليًا وهو يعلق بصوت خافت :
- ستكون حصتي زوجتين من السبايا ، فعندما يصلون سأكون معهم ها.. ها.. ها..
قطعت ضحكاتهم العالية أصوات أزيز الرصاص وقذائف الهاون ، الفوضى عصفت بالمكان ، الكل يركض بلا هدف ولا إتجاه صحيح .
الهروب كان من ضمن الخيارات المطروحة ، لكن يصطدم بصعوبة التنفيذ لعدم توفر وسائل النقل وبعد المكان عن المدينة رغم محاولات لمجاميع متفرقة لا تخلو من الضحايا .
فكر ( علي ) ورفاقه بالمقاومة ، لكن لم يكن حلًا ناجعًا لتوارد الأخبار عن إنسحاب أغلب القطع العسكرية المساندة والماسكة للأرض ، وأن العدو لا يروم المساس بالطلبة والقاعدة الجوية ، وسيوفر لهم الملاذ الآمن أو تأمين طريق العودة ، وهذا من ضمن الحرب النفسية التي أستخدمتها التنظيمات الإرهابية .
لم تمر إلا دقائق .. حتى عم اليأس المكان .. أصبح الجميع أسرى .. العدد يقترب من ألفين ، اختلطت دمائهم الزكية مع ماء دجلة ..
ضحكات ( علي ) وهو ينحر ، وصل صداها لبيته ، سمعتها أمه .. ضحكت معها .. ملوحة بيدها للجميع ..
- يمه علاوي .. من عمري على عمرك .. الجنة وياك حلوة ..

حيدر الدحام
كن مدون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

76610

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك