( رحلة المسكوت عنه)
### ياس الركابي
*عنوان مثير للاستغراب والدهشة،لمن روحه ليست كروح شوقي كريم المغمسة بعجينة الجنوب...... لان السيبندية مفردة دالة على كل ماهو شاذ ومرفوض إجتماعياً من السلوكيات التي لاتتفق والمفاهيم الاخلاقية التي تسير المجتمع ولقد تعمد شوقي كريم في التماهي مع هذه الافعال الغريبة لتبيان سلوكيات وأفعال هؤلاء السيبندية إثر تداعيات المرحلة التي كان العراق عليها اثناء وبعد مصرع الزعيم عبدالكريم قاسم..... إولئك الذين عبثوا فساداً لِما كانوا عليه من سلوكيات جاءت متماشية مع إرادات بعض رجالات الحكم !!!! في التعامل مع مجتمع بائس فقير انهكته صراعات على مدى عشرات من سنين سبقة تلكم الحقبة...
وضع شوقي كريم أمام مجساته العارفة بما يحدث لفقراء العراق والمسحوقين بكل مايحملون من تأريخ هم وأهليهم ....وحيث ان شوقي لم ينفصل عنهم كوجود إنساني........ طبقة اجتماعية مسحوقة فقراً ومنتهكة حقوقاً ليحيل القارئ الى مخفياتهم هؤلاء الذين يمثلون تاريخ العراق بأكمله...
إستلهم شوقي كريم من واقعية الاحداث الإجتماعية التي إصطبغت بلون الدم إثر عديد التشوهات التي كانت سائدة بعد تداعيات المرحلة التي تبعت مقتل الملك فيصل الثاني عام ١٩٥٨ وما حلّ بعد خمس سنوات من فصول دراماتيكية واتي تمثلت بإغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم هذا الأسطورة الذي كان له الفضل في خلق وعي جديد لبؤساء العراق ومعدميه الذين دفعوا ثمنا كبيرا بسبب مؤازرتهم له حتى لحظة موته....... جاءت احداث(سيبندية)شوقي كريم كأنها تمثله هو خصوصية وسلوكا ....مع إن الراوي العارف وضعنا امام صور حكائية لأبطالها بما هم عليه من خلفيات اجتماعية وانحدارات طبقية وتخصصات علمية واكاديمية ليضفي على مسرودته تلك العلاقة بين معاناة الواقع وصدق نوايا هذه الفئة الإجتماعية المسحوقة لتبدو لنا وقائع الرواية مشذبة رصينة لتدع المعتكف لقراءتها متمعنا وبوعي منه وحتى نهاية احداث الرواية.
هذه هي احداث رواية ال(سيبندية) التي كان عموم فضاء زمنها مكللا بكل ماكانت عليه آيديولوحيات وصراعات فكرية عقائدية يمينية يسارية قومية شعوبية عربية كردية وحدوية ناصرية ...واللافت ان القارئ لأحداث السيبندية هذه والبعيد عن أجواء واقعيتها و عن معايشته لهذا الواقع ... يرى ذاته وقد انغمست في احداث هذه الرواية ومجرياتها ذلك لأن سردها جاء بلغة اهل الارض ذاتهم حتى لَيشعر بالتلذذ!!! وكانه في حلم من احلام يقظة ....ذلك لان الأحداث كانت تدور في عهد الزعيم قاسم حيث ال(لازعيم الا كريم) او مااشيع على تسميتها بالحقبة القاسمية وما شابها من عنف وإضطرابات وصراعات بعد اغتيال عبدالكريم قاسم واستفحال ظواهر عنف أولاد الشوارع من مرتزقة المرحلة التي تلت موت الزعيم لتنعدم معها الرؤية لدى عموم الشعب وهو يرى تسلط الفئات الضالة من كلاب الحرس القومي ..السيبندي!!
لقد نجح شوقي كريم في الإمساك بتلابيب ابطال مسرودته بقوة ليجسد من خلالهم صور حوار هو يراها.... تمثلت بكثافتها وسلاستها مع طغيان العامية كلهجة وما تأسس على تلك الخاصية من إسقاطات السب ولشتم ولقذف اللاذع ....
كان شوقي يتفاعل معها من خلالهم لأنه الوحيد العارف بالكيفية التي يتعامل معها إزاء فئتين إجتماعيتين... تمثل إحداهما الخير ....وهم المسحوقون ....والأخرى تلك التي يسيرها شر ال...سيبندية ....ولابد من الإشارة الى ان شوقي كريم إلتفت الى سياق التتابع الحواري وهو قابضٌ على زمن الروي... تماما كما هو ( المخرج والسيناريست)كيما يصل الى حبكة محكمة بإنسياب... جاءت احداث (السيبندية)عبر حوارات اكتنفها الزحام والحراك النشط ونحن نرى كما يعتقده هو كذلك بان روايته هذه ستظل مشرعة فصولها وسوف لن تكون حقبة اندحار الحرس القومي خاتمة لها..... فإن جاز لنا القول بان زمن روايته تناول مالم يستطع سواه الغوص فيه وان هناك ضالة اخرى قد ارتسمت امام ذهن شوقي وهو بصدد النيل منها حيث أننا مازلنا نطوف في فضاء السيبندية ومنحنياته
...وشوقي كريم .....هو وحده القادر على بناء آليات جديدة لتشكيل زمان ومكان هو ادرى بالكيفية التي سيوظف لهما بواقعية قد.... تسحرنا... هذه المرة
لقد نجح شوقي بتجسيده لتواريخ الفقراء ((كنباش!) ....والذي هو واحد منهم ...كاشفاً كل مااراد سواه ان يبقى خلف حجب ليأخذنا الى معاينة الواقع السياسي الموبوء بالتفاهات والانتهاكات الانسانية ا!! ......تداخلت صياغات عالم روي شوقي على تنوعها ذلك لان عتبة انطلاقتها كانت في مرحلة خطيرة تلك التي زامنت مرحلة حكم الزعيم عبدالكريم قاسم وما تبعها من تناحرات بين مختلف الفصائل الممثلة للحركة الوطنية العراقية وما دخل على خط الفعاليات السياسية تلك من مؤامرات اللاعب الخارجي العربي وبعض قوى اقليمية وما رافق ذلك من إختلافات وردات فعل التي دفعت بالبلاد الى واقع اجتماعي وسياسي اصبح في لاحق الايام انموذجاً تحتذي به الحكومات المتعاقب......تمثل بطلة الرواية (نادية حسان)المركز المتحدي بعد مقتل والدتها الدكتورة الشيوعية واختفاء الاب في ظروف غريبة ظلت خفية على الجميع،اما القاع فكانت تتحدث بلسان السطل وابن الحفافة ومديحة الحفافة وسواهم ممن ركبوا الموجة العاتية واصبحوا قادتها بقوة الرشاشات... البورسعيد(الغدارة)التي ما كانت تسكت ابدا...لم أكُ انتظر كثيراً خاتمة الكشف..... فلقد قرر الراوي إعادة التواريخ... فهاهي نادية حسان تحتفظ بصندوق اسرارها وقد اصبحت (جدة ) تروي لاحفادها المرتجفين هلعاً ما حدث وما قد يحدث في قادم الايام......استنطق شوقي كريم في سيبندية تلك الفترة المظلمة جوانبها الاجتماعية مع مؤثر بسيط للفعالية السياسية التي كانت توجه الاحداث وتقودها. .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق