(مسرودة ممسرحة)
شوقي كريم حسن
—-١—-
/باب الطين/
( أبناء الرباعية المتوهجة حزناً والمشكلة لضمائرنا البسيطة الساذجة التي ماعرفت الجفاف يوماً،الماء ،والقصب،والطين، والنايات، المشويين حتى أخماص اقدامهم بلهب القيظ الذي يمتد لشهور طويلة. الرافلين بدشاديشهم المقلمة بزرقة داكنة مليئة بإشارات الهم والقحط وخلو البال يعرفون أن للطين المكدس عند الشطآن،مهمة غير تلك التي تسري في أعماقهم مسرى الدم،أكوام زنخة متراصة بأحكام يصنعون منهاأجساداً ممشوقه القوام،برؤوس تشبه سورات الشط،تشير بسباباتها الى عمق مجهول منعتنهم تحذيرات الاباء ومخاوف الامهات من سبر أغواره التي قفلت أبوابها باقفال عملاقة مختومة بطلاسم ملك ملوك الجان الذي لاتهدا روحة الا حين ينصت الى صراخ وتوسلات الاولاد الذين نهب (عبد الشط)طفولتهم الغضة المجملة بالمرح ، الاولاد الذين عاندوا رغباته الماجنة فأخذهم إليه جاعلاً منهم عبيداً يجلدهم بسياط ممشوقة أخذت من جلد غول تجرأ على التمرد مقهقهاًبضحكات تتقيء غضباً،/بعد سنوات أمتدت لربع قرن عاد(صيهود المحيسن) يتعثر بخيبات مخاوفه،ليملأ مساءات أحلامنا بحكايات ملفوفة بالاكاذيب،التي تظل رؤوسنا المزدحمة بالاسئلة مطاردتها،وتتبع خطوات (صيهود) المارقة ببطء عبر بوابات أزمنة زئبقية
ضيقة شديدة الشراسة،تندفع أيامها الى وراء دون إحساس بفعل ما تريد،همهمات شريدة تجوب مفازات تهيم في مرابعها وجوه لاتعرف الاستكانة تراودها خيالات وجوه سحيقة في القدم، تتلاشى مبتعدة كلما حاولت الاقتراب منها،يقول (صيهود المحيسن) بعد أن اطلق سيولاً من التنهدات المتوحشة الغريبة النبرات،التي تثير الرعب بين ثنايانا الائذة باستار محنتها.
—- كنت أراكم دائماً وأنتم تقتحمون ليل البساتين باغانيكم، أردد مبتهجاً ما ترددون افتل جسدي مثل مغزل دابكاً الأرض بحركات تشبه حركاتكم الملوحة برايات المجون الحمر،أحاول الامساك بما اود لكن ثمة الكثير من الموانع تصدني عنكم..كلما أتسع الظلام تباعدت الرغبات،وقتلت في الاعماق أسرار القبول،حاولت الصراخ وحين تمكنت منه كتمت حنجرتي أيادٍ سود تقطر دماً،،مالذي يجري،،ولمِ أنا دون سواي من يتحتم عليه قطع المسافات العابثة بخرابي..مالذي يمكن فعله مادامت أيامنا قاحلة لاتمنحنا سوى نواح امهات ملفعات بالسواد،حاولت البحث عن إجابات حتى وإن كانت خائبة تشفي غليلي الذي تصاعدت نيرانه ملقية بيَّ الى مجهول قلقي،حاولت الاستنجاد بكم لكن الايادي السود،الشبيهة باسنان منشار،قادتني عنوة لتلقي بجسدي وسط جموع حين أبصرتني راحت تهلل مكبرة مطالبة بموتي الذي أحسسته يدنو مني بسرعة حطمت ما بداخلي من بقايا أمل، تراجعت الى وراء قليلاً محاولاً إنقاذ ما تبقى مني،،لكن أكف قاسية رمتني الى داخل رؤيا أحالتني حطاماً منسياً عند قارعة طريق مهجور،
/محكمة الإباحة/
الامكنة القفر الموحشة تصلح أن تكون مكبات لافكارنا المكونة لمشاهد تمثيلية خالية من الفطنة، هكذا تظهر عارية جرداء أمام المبصرين بعيدة عن الدهشة والمسرات ،المكان الذي نروم الدخول اليه مثير للريبة يدفع الى تلال من الاسئلة الملتاثة الإجابات،بعض الأجساد تتحرك ببطء لتصف برتابة مربكة ،كراسي من جريد النخل بدائرة محكمة الاغلاق، مع الحركة لم يعد الهدوء ممكناً، الأرواح المكبلة بالحديد واقفة قيد الانتظار دون معرفة ما يمكن فعله،ومالذي تنتظر…….!!
،همس الأول لصاحبه—مالذي ننتظر؟!
رد الثاني على صاحبه—-مثل كل مرة لابد من أمر جلل ينتظر أعلانه!!
همست الاولى لصاحبتها—مالنا نحن الايكفينا ما نعيش..مالذي يريدونه منا؟!!
ردت الثانية على صاحبتها—رغباتهم هشمت ذواتنا نحن مجرد كائنات بائسة تتحرك بارادة منهم..ما يطلبونه واجب التنفيذ والطاعة!!
همس الاول بصوته المرتجف و الماطر هلعاً للثاني،وهمست الثانية بصوتها المبحوح للاولى حتى تعالت أصوات الهامسين إحتجاجاً أثار حفيظة الوجوه التي أنهت عملها المتقن للتو،فتراجعت محاولة فتح البوابة من أجل تبديد حالات الغضب والتدافع ،غداالنظام مجرد شيئاً منسياً الى أن انفتحت فوهة العمق عن كرسي عالي موشوم بمنحوتات تثير الفضول والترقب تحف به كراسي صغيرةتشغلها مجموعة من لأقزام دون ملامح بملابس فضفاضة شديدة القتامة،، تعالت صيحات التكبير، ونداءات الترحيب التي أثارت حماسة الجموع فضربوا الدفوف بنغمات خالية من التجانس،حين أطل الرجل المغطى برزم من الأقمشة بالوانها المتعددة الصارخة البهجة ،ببطء ملفت للنظر اوما بيده، هدأت الجموع التي كانت تبصره بعيون الاحترام والتبجيل والخشوع،قال بصوت رخي النبرات خفيف مثل نسمة ريح باردة—— أتوني به عقل فاسد يحتاج الى إجتثاث!!
دون إشارة مسبقة تغيرت الرؤيا أمام اللهاث الباعث على الاسى، والحيرة،، والارتباك أدخل (صيهود المحيسن)،يجر خطواته المتثاقلة بشدة،مسحوباً بسلاسل تصدر أصواتاً مرعبة، مثل ثور هائج جريح،صفقت الجموع، هاتفة منادية بأهمية تحويل الخائن القميء الى غراب يظل تائهاً في ارجاء الولايات التي تحكمها الغيلان، والنسانيس،ومردة الجان،
قال الرجل بعد أن وازن جلسته،مبصراً الجموع بازدراء شديد الإهانة ،
—-صيهود المحيسن أنت متهم بالتحريض على الالهة والمعابد والكهنة الذين لولاهم ما ثبتت عوالمنا وما استقامت وما عرف الحق من الباطل..(تصفيق حاد)!!
صيهود/ ماعرفت الهتكم ومادخلت معابدها و ماهمني من أمرها،شيئا،معابد الهتكم مغلقة أبوابها على الخديعة وامتهان الانسان.. مالذي فعلته الالهة يتوجب التقديس؟
( صراخ…شتائم،،،هتافات تطالب بالموت)
الرجل/ ( صائحاً بعصبية أصابت الجموع بالخرس) ها أنت تتحدث عن الالهة بسوء.. من أين عرفت حكاية أبواب معابدها المغلقة؟!
—- ما من أحد لايعرف لكن الحناجر لجمها الخوف.. الأنسان إن لم يك مع المعبد وكهنته فهو بالضد منهم ونهايته محتومة!!
قبل أكتمال اللعبة التي قادها الرجل بدربة دقيقة ودرايه،أنفتق كيس الاحتجاجات الراغبة بإيقاف المهزلة التى لافائدة منها،وسط جموع الفوضى ذاب(صيهود المحيسن)مثل فص ملح، تاركاً خلفه أنيناً موجعاً تلبس أعماقه الباحثة عن درب حتى إن كان موحشاً يعيده الى عمق الماء الذي يملأه بالنواح والحكايات، أغمض عينيه بإصرار محاولاً محو الصورة الغريبة التي تلاحقه مصحوبة بنباح وعواء وضحكات هستيرية تتمنى سحبه الى وراء لكنه وبعناد بغل أندفع الى أمام متمنياً الإمساك بنهارات طفولته التي ظلت منذ سنوات تنتظره عند جرف الشط المتثاقل الخطو،لم يك غيابه سهلاً كان مثار جدل وتعليقات أمتدت لتتحول الى حكايات غطت ليل المواقد بسحب أكاذيبها التي استقرت فوق رؤوسنا مثل طاقيات أخفاء رمت بنا الى وسط مجهول يفور غضباً،. لانعرف كيفية الخلاص منه!!
—— ٢—-
( أناشيد مهملة)
(يادهر لا تطلق عنان جيادك الشرسة لتأخذنا عنوة الى ساحات موت تسلب منا إنسانيتنا محولة إيانا الى أرقام باهتة تكرر سلوكها القذر دون حساب لقيمة او مجد…!!.
الصبي الوقح الذي كنته ،الرافع لغطاء ذكورته منذ زمن مازال يحب،الناظر الى ماينصت ويعيش بعيون الأسئلة ، يكره درس الحساب،ويمقت المعلم المغطي عينيه بنظارة سوداء بسمك كعب استكان الشاي ،ينزعهما على عجل بحركة تثير إبتساماتنا الشديدة المكر، ينفخ العدسات بصوت يشبه صفيراً، ثم يمسحهما بطرف ربطة عنقه الموشاة بزهور حمر ممتدة الى الاعلى،،صائحاً بصوت قاس مبالغ بحدته يشبه رنين هاون قهوة.
—إياكم وتصديق ما تسمعون الكون عبد طائعرللارقام لايستطيع مقاومتها،،الانسان عبد الرقم،خانع ،طائع مستسلم.يكد مثل حمير النواعير لتكون مكافأته ورق مليء بالارقام المديوفة بالذل،،،أقبح ما أبتكر أهل سومر هي الارقام التي لانهاية لها،،مسير يمتد للاف السنوات دون توقف ولو لبرهة وقت..الارقام جنون أجبرتنا الأيام على طاعة وقبول ما تقول على أنه صحيح يتوجب تمجيده وتقديسه، الالهة تباهوا بارقامهم المتوارثة،مثلما ظل كهنة المعابد ينشدون سمو الارقام وعظمة وجودهاالباعث على الطمأنينة !!
تطرق قحوف رؤوسنا الضالة حزناً ،نحاول معه إجتياز اللعبة التي يمارسها المعلم معنا بلهفة يحاول من خلالها خلق عوالم مشاكسة،ماكنا قادرين على ملامسة أبوابها،لم أعد أرى كل ما يمر أمامي سوى رقماً يتلاشى بصمت متحولاً الى رقم آخر،ولاشيء يثير الذكر..ماكان (صيهود المحيسن) يقبل بهذر المعلم الغريب الاطوار والذي يشاكسه دائماً، مؤكداً أن الأرقام فعل تنظيم مسار الدنيا،دونها تسود الفوضى،وتضيع المسميات ،وأجمل ما قدمه بناة سومر شعورهم بديمومة أبدية الأرقام،،كل الى فناء قال (أورنمو) سوى العد الذي يمجد لالهة ويعلوا شأن وجودها الدائم مادام الواحد موجوداً عظمت لواحقه..وتصاعد دخان الخيرات..خلصوا بلادكم من الكهنة ومعابدهم تخلص لكم!!
تلك الحكمة ظلت تشيد قلاعاً تحمي هواجسنا التي زادتها الحروب توحشاً بعد أن اختفت تماماً رباعية وجودنا الاثير ،الماء والقصب والطين،،والنايات التي تحرك أعماقنا لتشدو ونطرد الإنكسار،.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق