بقلم / حسين عجيل الساعدي
عندما تتعرى العقول قبل الاجساد وتضمحل الأفكار وتندثر الحكمة يعيش المجتمع في التفاهة ويكون عرضة لكل أشكال الانحراف، وحاضنة للأوهام والجهل المقدس.
في زمن الانحطاط الإعلامي وعبر منصات الانترنيت في أشاعة القيم المعكوسة، تظهر لنا نماذج غارقة بالتافهة تسمى بالبلوكر أو ما يطلق عليهم الفاشينست واليوتيوبر، يسوقون أنفسهم عبر مواقع التواصل التي نجحت في ترميز هؤلاء التافهين كأبطال يبحث عنهم الاخرون، فيؤدي الاهتمام المتزايد بهم والمبالغ به الى أن يكونوا اشخاص في مركز الصدارة، فيصابوا هؤلاء بالنرجسية والغرور ، ويتوهموا أنهم بتفاهتهم هذه يسلطوا الضوء على الحقيقة الغائبة عن المجتمع، بينما هم يعملون على تشويه تلك الحقيقة وتحويلها إلى فكاهة قاتلة لكل القيم الاخلاقية والاجتماعية. هؤلاء تراهم يظهروا في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تكتيكات مبتذلة تحت شعار (أثير حتى أصير) أو (كن تافها وسيحظي النجاح بك)، فيظهروا وهم يتفاخرون، لانهم عدوا انفسهم من المشاهير بسبب الاهتمام الذي يتلقونه من متابعيهم. أرى أن مقولة (كن مهرج وسيلتف حولك جموع من البلهاء) وصف صحيح ينطبق على حالهم. تراهم أشخاص منحطين وتافهين يمتلكون أدوات المهرج ويبالغون في الغباء والتفاهة إلى حد كبير، ويمنحون الالقاب الرنانة وهم لا يستحقون كلمة ثناء واحدة.
إن التخبط الاعلامي الرخيص يؤدي بالمجتمع الى الانزلاق في متاهات الجهل، والانجراف وراء المحتوى الهابط السطحي. هؤلاء الأمعات يحتجبون وراء مسميات أعلامية مزيفة، يفتقدون الى الثقافة واللباقة، فينتشون بمتعة الاستهزاء بالغير، والتسلي بألم الآخرين، والاستمتاع بسقوطهم. لقد ابتلى مجتمعنا بالاغبياء المنحطين من هؤلاء فأصبحوا محط الأنظار، الذين لا يراعون أي معيار أخلاقي أو فكري سوى الشهرة، فانعدمت عندهم المعايير الاخلاقية وتغيرت قيمهم الاجتماعية، وتتسللوا الى عقول الشباب بلا رحمة، وأستحوذوا على كل اهتماماتهم ليكونوا معيارا لهم في سفالتهم وسطحيتهم، من خلال المظاهر الخادعة، حتى اقتحموا عقول الشباب فأصبحوا الشباب أسرى لهذه التفاهات التي تعبث بهم كيف يشاء هؤلاء التافهون.
في كتابه (نظام التفاهة) يحذرنا الكاتب الكندي "آلان دونو" أن لا ننساق مطلقاً وراء التافهين، فهو يقول: (إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً؛ إنه زمن الصعاليك الهابط).
نحن في زمن مليء بالتناقضات والانحطاط، فقد فيه كل شيء جميل وممتع، تبدو فيه قلة الأدب والانحدار الأخلاقي مفتاحاً للنجاح، حتى أصبحن (البلوكرات والفاشينستات واليوتيوبرات وبائعات الهوى) يمتلكن السلطة والنفوذ، وبامكانهن اخفاء أي أحد يعرض لهن بطرفة عين.
نحن في زمن التفاهة والإفلاس الإنساني، حتى خلت من روادها المتاحف والمعارض والمسارح التي تحوي كل ما هو جميل، فكانت صالات الشهوة والفجور والنوادي الليلية بديلا، وتحول عرض الفنون الجميلة الى عرض للاجساد النتنة المنتفخة، التي هي عبارة عن صور مشوهة، يتجمع حولها أصحاب الذوق المبتذل والتفكير الضحل، كتجمع الذباب حول الغائط.
لقد ابتلى مجتمعنا بالاغبياء المنحطين الذين أمسكوا بكل شيء فأصبحوا محط الأنظار والذين لا يراعوا أي معيار أخلاقي أو فكري سوى الشهرة، فانعدمت عندهم المعايير الاخلاقية وتغيرت قيمهم الاجتماعية، وتتسللوا الى عقول الشباب بلا رحمة، وأستحوذوا على كل اهتماماتهم ليكونوا معيارا لهم في سفالتهم وسطحيتهم، من خلال المظاهر الخادعة، فهولاء كلما ازدادوا في الإسفاف والإبتذال ازدادت جماهيريتهم وشهرتهم.
يقول رسولنا الاعظم محمد (صلى الله عليه وأله وسلم): (سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخونُ الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ. قِيلَ: وما الرُّويْبِضةُ؟ قال: الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق