تشكل المقارنات بين أساليب المبدعين بمثابة نواة كاشفة لمكامن القوة والضعف في اتخاذ المساحة الأوسع في جغرافية المنطق المنبثق من تفاعل بين نتاج التراكمي للتحليل والتخطيط اللذين يعدان محور نمو وتطور المناخ العام لمنظومة الأفكار. وفي العملية التناظرية يتراءى أسلوبان مختلفان الأول طريقة عملاق الشعر الأموي الفرزدق الذي كان ينحت في اللغة لينسج خطوط النص. وفي الضفة المقبلة الناطق باسم عصره جرير الذي كان يغرف من البحر معظم كتاباته وبسلاسة يتناغم مع روح النص .وإذا أمعنا القراءة بين النموذجين قد ندرك أهمية الانغماس وإذا أثرنا مواكبة البعد المحوري للتصورات ومساحة قوة الموهبة الظاهرة وآلية التماهي في مياه النص فنموذج الأول كان يستمتع بمشقة تكوين النص الشعري وأما النموذج الثاني فكان شخصية متنوعة قادرة على نسج أنوال النص بسلاسة وغزارة وكأنه حافظ نصوصه لا مبدعه .ما بين صلابة أسلوب الفرزدق ومرونة جرير قد نستلهم فضاءات متباينة لجوهر المناخ الذي يؤثر بذهول دؤوب في الأجواء النفسية التي في بوتقتها يتأطر معظم التراكيب ذات الغموض المستتر بين تضاريس المجهولة حيث الانزياح الانقلابِي الشبيه بظاهرة الزلازل ,الأجواء الإبداعية تشبه الرسوم المنحوتة حيث التنوع الكثيف المرافق لتباين عميق وهنا يكمن إحدى الركائز الجوهرية في منظومة الإبداع التي تعد نواة التطور الباحث عن توفير الظروف الأكثر نقاءً وملائمة للإنسان المعاصر الذي يعد محور الكون ,ثمة ألوان جاذبَة تفقد رونقها للوجود الآخر الافتراضي ذو الكاريزما الطاغية تتبوأ واجهة الحضور. ومن زاوية حادة الرؤية قد نستطيع مواكبة القفزات المتسارع التي يخطوها الغرب بالعمل المؤسساتي الراعي والمنتج للكفاءة المتفاعلة مع الرغبة المجبولة بالإصرار.
الفرزدق وجرير كانا ناطقين باسم عصريهما .ونجحا إلى حد بعيد في المساعي الرامية لاكتشاف العمق الجمالي بالصدق حيناً وبالمواظبة المدركة للأهمية أن يكون المرء بوابة عصره .ومتعة المواجهة المعوقات ومن ثم تجاوزها والمضيء عبر الدروب الشائكة للوصول إلى القمة التي تجمع مابين الجمال و الحقيقة .
محمد مجيد حسين – سوري - كردي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق