يُعرف علم اللسانيات بأنّه: العلم الذي يدرس اللغات الإنسانية، ويهتم بمعرفة خصائصها، و تراكيبها، ودرجات التشابه، والتباين فيما بينها، وعلم اللسانيات هو علم حديث أرسى أسسه في مطلع القرن العشرين "سوسير" عندما ألقى "محاضرات في علم اللغة العام"، فحَّدد بذلك إشكالية اللسانيات، وجمع "شارل بالي" هذه المحاضرات بعد وفاته في كتاب، وهو كتاب مهمّ؛ لأنّه يُعدّ رائدًا في مجال علم اللسانيّات، ومؤسّسًا للبنيويّة الحديثة التي شاعت لا في اللسانيّات فقط، وإنّما في علوم أخرى مثل: تحليل الخطاب، والنقد الأدبي، والتحليل النفسي، وغيرها.
وأشار سوسير في كتابه هذا إلى قضايا مهمة تتعلق باللسانيات أهمها: استقلال علم اللغة عن غيره من العلوم الأخرى، مثل: علم النفس، والفلسفة، وهذا بهدف التركيز على علم اللغة فقط، وكذلك فهو يُفرّق بين ثلاثة أشياء، وهي: )اللسان، واللغة المعينة، والكلام )، ويهتم بالتفريق بين اللغة والكلام، فيجد أنّ دراسة الكلام مختلفة عن دراسة اللغة، فالكلام هو نتاج فردي وهو أقرب إلى الحيز التطبيقي للغة، وهذا يعني عند سوسير أنّ اللغة مستقلة عن الكلام، وهو بدراسته للكلام يدرس اللغة في اللحظة الراهنة، وهذا ما يهدف له، فهو لا يريد أن يدرس تاريخ اللغة، ولكنه يريد أن يركّز على اللغة المستخدمة بين الأفراد، وبذلك يكون قد ركّز على دراسة اللغة ومستوياتها المختلفة: الصوتي، والنحوي والصرفي والدلالي، ومن هنا يمكن الملاحظة أنّ مفهوم علم اللسانيات يُركّز على اللغة التي يستخدمها الناس في الكلام، ولا يهتم بالكلام المكتوب.
ـ العلاقة بين اللسانيات والنحو العربي :
إنّ اللغات الإنسانية تشترك بخصائص مع بعضها، وتختلف في بعضها الآخر، وهذا الاختلاف نابع بالضرورة من خصوصية كلّ لغة من اللغات، وهذا ما يجعل النحو العربي يتصل بعلاقات متعددة مع اللسانيات الحديثة، ويُعدّ كتاب "نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظراللغوي الحديث" لنهاد الموسى من أهم الكتب التي تناولت هذا المنحى، وقد انطلق من فكرة مفادها أنّ ثمة قدرًا مشتركًا بين مناهج النظر اللغوي على اختلاف الزمان، والمكان، والإنسان، واللغات الإنسانية في العالم. وبناء عليه يجد أنّ ثمة تشابكًا بين اللسانيات الحديثة والنحو العربي، وهذا أمر متبادل بينهما، ويظهر هذا في أنّ نظرية النحو التحويلي عند تشومسكي في اللسانيات تتفق في بعض أفكارها مع النحو العربي، وقد يكون هذا الأمر بسبب وجود قضايا مشتركة بين اللغات جميعها، أو أنّ الغربيين اطّلعوا على المنجزات اللغوية العربية وأفادوا منها، وكذلك يمكن الاستفادة من اللسانيات الحديثة في "وضع النحو العربي في إطار جديد، يتقابل فيه القديم العربي والحديث الغربي، مما يشاهم في تجديد النحو العربي في مفهوماته، ومنطلقاته، وأبعاده بعد طول إلفٍ به في لغته الخاصة ومصطلحه الخاص، ومهنجه الداخلي"
وهو يعنى بعدَّة جوانب بالنسبة للغة سيتمُّ ذكرها فيما يأتي: [١] اللغات المكتوبة واللغات المنطوقة على حدٍّ سواء. اللغات الميتة التي لم تعد تستَعمل في هذه الأيام مثل اللغة اللاتينية. اللغات الحيَّة التي ما تزال تستخدم بين البشر. اللهجات جميعها، ولا يميز علم اللسانيات بين اللهجات وبين اللغات الفصحى. اللغات المتحضرة واللغات البدائية دون تمييز فيما بينها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق