وجه شاحب ، عينان تزينهما الهالات السوداء ، وجنتان صفروتان كالأوراق المهاجرة خريفا ، يدان مرتجفتان و عروق بارزة ، شفتان يابستان برز فيهما التشقق كأرض قاحلة حنت للإرتواء ، جسد متهالك كسته الجلود ، تجاعيد رسمت طريقها على وجه لم يتجاوز العشرين ، عجوز عذراء في عز شبابها ، فتاة على هامش الحياة ، لا يفصل بينها و بين الموت غير شهادة الحياة ، ترمي خطواتها بتثاقل كبير تقف على قارعة الطريق ، تنظر للوجوه المتحركة للأجساد التي تتجه يمينا و شمالا بغير هدى ، تمسك بخصلات شعرها المجعد تلهو به قليلا ، ثم تجلس أرضا و هي تضحك بل تقهقه ، تمسك بملابسها التي مُزقت ذات ليلة حالكة ، تسترجع ذكريات موجعة زرعت في قلبها ألف غصة فتهيج الأحزان التي دستها طويلا فتمزق ما تبقى على جسدها و تتجرد من كل ساتر لها و هي تبكي و تصرخ بأعلى صوتها كذئب يستدعي القطيع للهروب من وحدته ، فيرجعها صوت الأطفال حولها إلى الواقع و هم يتهاتفون بمرح "مجنونة ... مجنونة " فتزيدها هذه الكلمات غضبا و تطاردهم لتثبت صحة عقلها و لكنها لم تثبت بأفعالها هذه غير جنونها.
#ساعد_نور_الهدى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق