...فتح الباب الخشبي على منظر جبال مطرزة في خيوط بيضاء رقيقة، فاستنشق عطر هوائها النقي،ومسحة برودة تائهة أيقظت فيه الرغبة في معانقة الوجود الرحب... استقل خياله راكضا إلى أعاليها، ليعيش من جديد طفولته وشبابه...آنذاك كان مغامرا،يجوب الأحراش و سفوح الجبال بحثا عن الحياة في كنف زقاق الوديان والحقول المرمية هنا و هناك...آنذاك كان مولعا بقطف العصافير من أعشاشها،وجدته تحذره من العبث بها؛لأنها كائنات خرافية في تصورها...آنذاك ارتوى من جمال الكون السخي،وقد تمددت السكينة في نفسيته منشرحة،و الطبيعة مستودع أسراره،تشاركه فراشات من عالم آخر.
كان الجبل السامق المتوشح بضباب قطني كثيف ،يقر ببرودة الشتاء، فقرأ في صمته تحديا له ،يغريه بأن يعيد الكرة في الصعود إلى قمته،كما فعل يوم كان غصنا عصيا على الصعاب...فاجتاحته رغبة قبول التحدي...تقدم خطوة، وحفيده شده خلفا:
-حاذر ياجدي،فالمسلك لزج جدا!
تراجع، وجسده في حالة ارتباك :
-لا تخف،دع جدك يحلق من جديد إلى أعالي هذا الجبل الذي احتفظ بقصة عمري السعيد.
لم يتركه الحفيد يحلق من جديد ، خوفا علي صحته ،فأحمال السنين قوضت حيويته ، وهو في منعطف حياته...فاغلق الباب مودعا الجبل، ومطر خفيف يسترق النظر من نافذة ضيقة، وهو يجمع شتات ذاكرته في دفتر، سيهديه لا محالة لحفيده ...! (قصة قصيرة جدا ) مصطفى ولديوسف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق