سبعون خريفاً من التساقط ولايزال ظلي وارفٌ لسبطتي وابناء جلدتي، سبعون نيفاً من الحصار والحصاد ولم يكن يزل قمحي يوزع للحروب وثلة من الجنود.هاهنا بساتين للكروم، وها هنا ينبوع للنخيل، والنواعير نايٍ يرتل عذوبته للساقية والجداول. من بين الافق والسفوح يبزغن نسوة من الظفائر والسنابل. تصاب بالدوار الطائرات في سمائنا، وتتراقص العصافير جذلاً بأرضنا. الصدور معبئة بالتبغ وليالِ الصيف ،والاعمار طويلة من الصبا الى البياض من اللحى. والموت لايطرق لنا جفنٌ ولا بال ،خبزنا حافٍ وسريرتنا زلال ماءٍ. تتسابق الارداف والنهود الى النهر بلا شهوةٍ من صنارة او مجداف. كل الجدات على موعدٍ مع الفجر والمنارات؛ لينسجم بعد الصلاة الطين برائحة الشاي،لتشعر كل نافذة انها تطل على جنات عدنٍ وعنبر. حتى يطير النعاس عن الاهداب عند اول خيطٍ للشمس، الساعات تنتعش في البيادر، والسنون ردحٌ من السكينة. قيلولة الظهيرة قسطاً من السلام في حضرة الرب، وكل شيء كان يحب ان يستيقض باكراً. حتى استفاق الوحش في الانسان بشبق الابواب والاقفال؛ لتغادر الطيور اوكارها وتهاجر سرباً في غير موسمها، وامتدت يد القدر لكل مصير
ازداد النحيب وكثر العويل، وباتت الحقول مقبرة للثكلى والكهول ، وصار زبد النهر يداعب القدم والخلخال. غادرنا صهيل المسك تحت الوسائد واستحلنا صدأً للصرير وللرحيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق