كنت معهم في السجن... جعفر الخليلي // بقلم الاستاذ // عمار محمد اغضيب

. . ليست هناك تعليقات:

( كنت معهم في السجن... جعفر الخليلي )

بقلم/ عمار محمد اغضيب

بدايتي مع المطالعة بعيدة جدا، فقد بدأتُ اقرأ الكتبَ وانا في سن العاشرة، بتشجيع من والدي ، فعلى مدار خمس وثلاثين عاما ، قرأتُ الكثير من أمهات الكتب والمراجع والمصادر ودواوين فطاحل الشعراء وروايات الأدب العربي والعالمي ، وأصدارات شتى من صحف ومجلات قديمة ومعاصرة ، يتعذر على الذاكرة عدها ، فأتعبتُ البصرَ ، لأُغنيَّ العقل، لقد كانت القراءة في بادئ الامر هوساً لي في مراحل عمري الأولى، ثم صارت منهلاً فمتنفساً او هروباً من واقع صعب.
وهناك كتابٌ كنتُ قد قرأته في وقت مبكر، لا يزال عالقا في ذاكرتي ووجداني، وهو من الكتب التي أحتوتها مكتبة والدي الرائعة ، والتي نظمتُ في وصفها قصيدةً من سبع أبيات بعنوان( روضةٌ للعلم والأدب ) ..
الكتاب كان بعنوان( كنتُ معهم في السجن ) ، يحوي بين طياته الشيء الكثير .فهو من تأليف الباحث والعلامة العراقي الراحل الأستاذ( جعفر خليلي ) سنة ١٩٥٦، في بداية الأمر كانت فكرة الكتاب بحثاً صحفيا كُلِفَ به المؤلف من الصحيفة التي يعمل بها وقتها، عن نزلاءِ السجن المركزي في العراق في ( ابو غريب ) في منتصف خمسينيات القرن الماضي، فتطورَ الأمرُ، إلى أن أصبح كتاباً يعدُ تحفةً أدبية ومعرفية ، يحوي معلوماتٍ وحقائق مهمة جداً على الصعيد الاجتماعي والتأريخي والنفسي .... الخ
كانت روحُ المؤلف، كأديبٍ وبحاثةٍ رائع، تطفو بين ثنايا
الكتاب، فخرج من دائرة التقارير أو العمل الصحافة ، إلى خانة الأدب الرفيع.
فقد تعايشَ المؤلفُ مع نزلاءِ السجن وكسبَ ثقتهم ، من خلال سردههم لسيرهم الشخصية وأسباب سجنهم . مستعيناً بقدراته الفكرية ، والشخصية المحورية التي يتمتع بها، اضافة إلى حسهِ الصحفي المُتقدِ ، مهدَ المؤلفٌ للكتابِ بتوطئةٍ عن طبيعةِ الإنسان العراقي في تلك الفترة، وطبيعة الجرائم التي تحدث وقتها، وأسبابها، كما لم ينس أن يحدد طرقَ العلاج والحلول لهذه الأمراض الأجتماعية من خلال توصياتٍ معتدٍ بها ..
فقسمَ الكتابَ إلى ابوابٍ وفصول، تتضمن قصص النزلاء حسب طبيعة نوع التهمة أو الجريمة التي أُرتِكبتْ...
وتشعرُ وأنت تتصفحه أنك أمام مجموعة قصصية رائعة، لأحداثٍ واقعية ، تجعلك تعيش أجواء أحداثها ، وتتخيل الأماكن التي حدثت فيها، وشخوصها المعلومة ، الذين تتعاطفَ معهم في بعض الحالات ( لم يغفل المؤلف الجانب الإنساني لأبطال قصصه حتى وإن أضفتْ عليهم صفةَ الإجرام )
فيتركك الخليلي رحمه الله بأسلوبه الأدبي الممتع القريب إلى النفس ، في رحاب تلك الفترة البعيدة من تأريخ العراق ، لتعيشَ تلك الحقبة بكل تفاصيلها وتتعايشَ مع قصص النزلاء، وكأنك جزءٌ منها ، فتتعاطفُ مع تلك الشخصية، وتبغضُ الأخرى ،وتتخيلُ بأنك قريبٌ منهم ، فتأسى لحالِ بعظهم ، وتبحثُ عن حلولٍ لمشاكلِ الآخرين ، بأسلوبٍ أدبي علمي رفيع .
بدأتُ مطالعةَ الكتاب في منتصفِ تسعينيات القرن الماضي، وأعدتُ قراءته أكثر من مرة ، من دون أن ينتابني المللُ ، لشدة ما يحتويه من مادة دسمة ، كانت وقتها أوراقه صفراء ،لتقادم الزمن ، تعرضَ فيما بعد للتلفِ مع أغلب الكتب، التي أصابها الإهمالُ للأسفِ الشديد، لظروف قاهرة..
بحثتُ عن الكتابِ من جديد في كل المكتبات وحتى عن طريقِ الأنترنيت ولم أجده ، فعلى مايبدو أنها كانت طبعة يتيمة ضاعتْ في اغوار المكتبات القديمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك