كمدخل لدراستي النفس ـ اجتماعية هذه ،سأقوم بتحديد مفهوم "الاعاقة" بدقة ،وتعريفها وفق ماالمتفق عليه كبار الاطباء و علماء النفس والاجتماع ،فضلاً عن منظمة الصحة العالمية .
الاعاقة بايجاز : عطب وضرر او عجز وظيفي يصيب ، لسبب او اخر، عضواً او اكثر من اعضاء جسم الفرد ، او قدراته العقلية او النفسية ، فيعيقه ( يعيق لغةً : يمنع ، يعرقل ، يثبّط ) عن ايداء وظائفه الحياتية الطبيعية بشكل سوي اتجاه نفسه ،و الاخرين ( الاسرة والمجتمع ) ،ويحرمه ( حسب درجة اعاقته ) القدرة على التفاعل العلاقاتي المتكافئ مع محيطه الجمعي ، ويرهن ديمومة وجوده الانساني بإرادة الاخرين ، فهم الاوصياء عليه ، المتحكمون بأسباب حياته ، يحددون درجة ( اشباع / لااشباع ) حاجاته البايولوجية السايكولوجية ، ويقدرون نسبة اكتفائه الذاتي منها ، وما يترتب على هذا من بلوغه حالة ( الاتزان / لااتزان ) الداخلي .
و قبل تحديد صلة الاعاقة بالابداع باعتباره منجزاً معرفياً نوعياً ، سأقوم على عجالة بتفكيك ماورد في تعريفها اعلاه من دلالات معنوية ، للوقوف على مدى صحة اعتبارها مثيراتٍ حسية خارجية ( ايجابية / سلبية ) مختزنة في لاوعي المعاق كاهم المحفزات الاساسية لذلك الابداع ان وجد :
ان ما يعانيه المعاق من عجز عن القيام بشؤونه الحياتية الخاصة بسبب الاعاقة سيرتبط في لاشعوره بتبعيته الدائمة للاخرين كما مر بنا اعلاه ، والتبعية هنا تعني خضوعه لمشيئتهم ومزاجيتهم واستسلامه التام لإرادتهم ، وقبوله بعونهم دون اعتراض حتى ان كان لايسد حاجته ، او اقترن بتذمرهم منه ، ونعتهم اياه ( بالعالة ) العديم القدر والنفع ،وانه فرد من الدرجة الثانية او ادنى ، واذا قمنا بتجميع هذه المعاني نحصل على مايلي :
التبعية +_ الخضوع / الاستسلام + عدم الاعتراض = عبودية
العبودية = لاحرية
هنا الاعاقة = الشعور بالنقص
اذاً فهذه الدلالات هي مثيرات حسية خارجية فعلاً
ومع ديمومة اختزانها في ( لاوعي ) المعاق ، يتعمق فيه الشعور بالنقص ، مسبباً له حالة القلق التوتري ، التي تفقده هدوءه وامانه النفسي ، مما يعرضه لاحقاً حالات عصابية ( اضطرابات انفعالية ) ، يقوّض اشتدادها صلته بذاته الداخلية ، والخارجية ( الواقعيه ) التي ينظر اليها المجتمع بدونية بسبب ( نقصها ) ، فيتولد لديه نزوع للانتقام من ذاتَيه كلتيهما ، كآلية دفاعية نفسية ( اي انه لاشعورياً يسعى لتخفيف من حدة توتره المذكور ، بتخيل وسيلة تزيح مسبباته وهما تلكما الذاتان ) و يجد متنفسه الشعوري المقابل لصراعاته الداخلية ، في انسحابه من مصدر الازمة ( الواقع ) ، منغلقاً على ذاته ، واذا ماكان هذا المعاق ذا حظٍّ من الثقافة والمعرفة وامتلاك الادوات التعبيرية التي تترجم افكاره ومشاعره الى اثر مقروء (منجز ادبي او علمي ) او مرءٍ ( منتج فني تشكيلي ) او مسموع ( الحان موسيقية ) ،فإنه سيؤكد هذا التعالق السببي [ الاعاقة / الابداع ] ، لكنه ف هذه االحالة سيكون ابداعاً سلبياً سوداوياً
( عندما يكون محوره الذات ) ، هداماً في تعاطيه مع الواقع ، بغائية خطابية تحط من قيمة ( الأخر الجمعي ) فكراً و عُرفاً سلوكياً اخلاقياً ، اي انه ابداع اسقاطي لنزعته الانتقامية السابق ذكرها ، والعكس بالعكس بالنسبة للإبداع الايجابي المفعم بالحياة للمعاق الذي يكون تأثير الاخر الجمعي عليه نقيضاً لمن مرَّ ذكره ، حيث تكون محبتهم الصادقة له واهتمامهم الانساني الحقيقي بدمجه في مجتمعه كفرد من الدرجة الاولى له كامل الحقوق والقدر الاعتباري اللذين يتمع بهما الاسوياء ، فالآخر هنا سيكون عاملاً مساعدا لرغبة المعاق في تجاوز شعوره بالنقص وتحقيق ذاته كأنسان متكامل في معناه الوجودي، وهذا مايترجمه في منجزه الابداعي محققاً صحة الجدلية ( اعاقة / ابداع حقيقي ) واستذكر هنا المعاقين المبدعين المعاصرين على سبيل الاستشهاد
اولا ـ من العرب :
ـ د.طه حسين ( عميد الادب العربي ).
ـ البردوني ( كبير شعراء اليمن ) .
ـ سيد مكاوي ( موسيقار مصري شهير ).
ثانيا ـ من غير العرب :
ـ ستيفن هوكينج عالم الفيزياء البريطاني :أصيب بمرض عصبى وهو فى الحادية والعشرين من عمره وهو مرض التصلب الجانبى als، المرض المميت الذى لا علاج له، وتوقع الأطباء أنه لا يعيش أكثر من سنتين وبالتحدى والإصرار على تأكيد الذات و النجاح استطاع قهر العجز وإبهر الأطباء بمجاهدته، حتى تجاوز عمره الـ72 عامًا، ما أتاح له فرصة العطاء فى مجال العلوم وبالتحديد علوم الفيزياء النظرية، وبالرغم من أن هذا المرض جعله قعيدًا إلا أن عقله لم يقف برهة، حيث حصل على الدكتوراه فى علم الكون ( كوزمولوجيا) من جامعة كامبرج، وحصل على درجة الشرف الأولى فى الفيزياء واستطاع أن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء وبطريقة لا تصدق كان يجرى كل الحسابات فى ذهنه له أبحاث نظرية في علم الكون وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، كما له أبحاث ودراسات في التسلسل الزمني.شارك ابنته الروائية فى كتابة كتب الأطفال لتقديم شرح مبسط عن الكون بطريقة روائية 2007عام.
ـ نيك فيوتتش (من التفكير فى الانتحار الى انموذج يحتذى به فى الأمل والكفاح):
ولد نيك في استراليا وهو يعانى من متلازمة نقص الأطراف الأربعة وهى متلازمة نادرة الوجود عانى فيها من فقدان الأذرع والأرجل بشكل كامل باستثناء قدم صغيرة فى أسفل جذعه، طفولته كانت عرضة للسخرية لمن حوله وتعرض لحالة نفسية سيئة دفعته للتفكير فى الانتحار، ولكنه وجد أن هذا التفكير السلبى ما هو إلا تدمير لحياته، فتعايش مع إعاقته ولم يكتف بذلك بل اتخذ من إعاقته وسيلة لا ترى إلا الجانب المشرق الذى بثه على الجميع من حوله.
تعلم نيك الكتابة بأصابع قدمه الصغيرة وتعلم استخدام الحاسوب والطباعة عليه وتعلم أيضًا رمى كرات التنس والعزف على الطبل كما تعلم السباحة، وفى سن 17 عاما أسس منظمته غير الربحية "الحياة بدون أطراف" لبث الأمل والتفاؤل وإخبار العالم أن الحياة لا تقف على إعاقة، وتحول من الشخص اليائس الذى فكر فى الانتحار لنموذج يحتذى به فى الأمل من خلال خطاباته فى أماكن مختلفة من العالم ليثبت للعالم قدرته على فعل المستحيل بالإرادةالقوية.
ـ هيلين كيلر . أديبة ومحاضرة وناشطة أمريكية، عانت هيلين كيلر من المرض في سن تسعة عشر شهراً ما أدى إلى فقدانها السمع والبصر تماماً.
ـ باسم العراقي ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق