لقصيدة (مبدعة انت) للدكتورة عتيقة هاشمي
..............................................................................
مبدعة انت، قال
وسيدة التفاصيل
حروفا وقواما
مبدعة... أناي!؟
وسيدة حروف أنت!؟
اراك تيها يعقبه تيه
التيه بلسمٌ، قال
ونقط الحذف
هنا حيث لا أحد
لا انت ولا انا
ولا حتى طائر النورس الذي كان يملأ المكان صراخا
هنا لا معنى لنقط الحذف
التي تقول ولا تقول
تعني ولا تعني
كيف تضيف لي؟
وليس قبلها وبعدها سوى الفراغ
فراغ شاسع يمتد كصحراء دونما نهاية.
افكر... ونفكر...
كم ضمّةٍ تكفي لشكل هذا النص؟
كم وكم يكفي...
حتى يولد المعنى
حتى تختفي "لا"
وينضح الفراغ
وتزهر الصحراء
ويصبح الضم فتحا
يلف المدى
يعانق النقط والحذف
يمشيان...
يسيران على الشاطئ
ساعة الأصيل
يشكلان سرادقا للعشاق
ترتد إلي خطايا كلما مددتها
أخطو ولا أسير
أمشي ولا أتقدم
كلما رفعَتْ ضمةٌ مني
كسرتها نقط بلا معنى.
يا صانع النقط، قلت
تظل الكسور كسورا
هي الجزء
والنقط الكل
وانا و انت بين مد وجزر
مازلنا نسير
مازلنا نمشي
نزيح بعضا من الردم
والشوك...
والضمة تعانقني
فنتحول الى معنى
للمسافات
للمدى
للتفاصيل العالقة في الذاكرة
في الرؤيا...
لقوس قزح يلوح من بعيد
يشق الأفق
يشطرني نصفين
د.عتيقة هاشمي
المغرب
مطلع جميل ورقيق أحكمت الشاعرة قبضتها علية لتسيطر على مسار النص في مراحله المختلفة ولتكون عملية الانتقال سلسة ومتوقعة، ومن ثم توضح العبارة المبهمة بما بعدها منعا لاي اشكال يحدث في مسار القصيدة ، وكانها تهدف لحبك احداثها لكي تتوافق مع سلاسة الأسلوب وبناء الجمل المقتضبة التي اوردتها في القصيدة.
كان المتحدث وكأنه يخاطبها مباشرة ويصفها بأنها سيدة التفاصيل وفي هذه العبارة دلالة على أن العالم بالتفاصيل لديه دراية حتى بدقائق الأمور ، ومن ثم يوضح هذه التفاصيل مباشرة بدون اي تراخي أو ترك فسحة للتأمل.
ومن ثم تتكرر هذه الحالة في قول الشاعرة (اراك تيها يعقبه تيه) ثم يأتي الافصاح عن جوهر هذا التيه ومكنونه، بقولها (التيه بلسم). وهذا الأسلوب الاستدراكي في الوصف ومن ثم الكشف يزيل اي التباس يتسلل إلى ذهن المتلقي ويرفع اي اشكال قد يقع في مسار القصيدة، وهذا سر من أسرار القصيد الذي يتبعه الشاعر الحاذق لكي يمسك بكافة الخيوط لكي يقود النص الى هدف وضعه مسبقا في ذاكرته ومن خلال هذه الطريقة يكون البيان في أعلى درجاته بوضوح المعاني بعيدا عن الغرابة وتعقيد البناء اللفظي واستخدام العبارات السهلة لكي تكون حاضرة في ذهن المتلقي.
الدلالة المكانية المبهمة التي وصفتها الشاعرة بأنها تيه ليس فيه احد ولا حتى طائر النورس في اشارة منها إلى البينية الضائعة المكان واللا مكان، وفي نفس العبارة تجد أنها تشير إلى مكان حين تقول (الذي كان يملأ المكان صراخا ). وهذا من لطيف التعبير ولكن بأسلوب تسوده الغرابة أحيانا.
استخدام المنطق الفلسفي في التوضيح الطيفي باضاءات خافته لبعض العبارات والذي يقود إلى الحيرة والتساؤل تجده في عدة مواضع من النص كان الأولى تجاوزه برشاقة وأسلوب بياني حسن، لكي يسهل على المتلقي جني ثمار النص عن قرب.
استخدام صور ومواطن الحركات الاعرابية والأساليب النحوية تمكنت الشاعرة من توظيفه بنجاح واعطى صورا جميلة ذات بريق يشد القارئ للاستمتاع بجمالية النص. بالعودة إلى الدلالات الزمانية والمكانية والتي وظفتها الشاعرة في القصيدة عبرت عنها بطريقة سحرية واعطت مساحة واسعة للمتلقي أن يسرح معها بخيالاته وتصوارته، وخصوصا عند قولها(فراغ شاسع يمتد كصحراء دونما نهاية)، وفي قولها(يشكلان سرادقا للعشاق).
ثم تعود ادرجها إلى توضيح كل ما خفي ودق في القصيدة وبعد تأمل اصطنعته في ذاكرتها ولضبط هذا كله قالت:
(والضمة تعانقني)
(فنتحول إلى معنى)
(للمسافات)
(للمدى)
(للتفاصيل العالقة في الذاكرة)
(في الرؤيا)
وهذا الأسلوب الاستدراكي الذي استخدمته الشاعرة في بداية القصيدة على سبيل الكشف وإزالة الالتباس عادت هنا واستخدمته بعمق مع شئ من التفصيل وكأنها جمعت خيوط افكارها هنا تحديدا فجاء النص بطريقة بيانية حسنة، ونسق تسلسلي جميل.
استخدام الأساليب البلاغية من التورية ومن ثم البيان اعطت النص مساحة واسعة لفهم مقاصد الشاعرة، استخدام أسلوب الإيجاز والابهام وبعده مباشرة الإنتقال إلى الاستدراك وفتح مغاليق العبارات للتوضيح وظفته الشاعرة بنجاح فجاء النص على هذه الصورة المقبولة والجميلة.
علي محمد العبيدي
11/5/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق