كنت على وشك أن أُغلق الباب خلفها..حين أطلقت تلك الجملة..التي أردت شيئاً في داخلي اسمه اليقين..وتركتني أسيرة الشك حينها..
التفت نحوها وأنا أحاول أن أتسول منها الكلام وهي التي جاءت تتسول المال يومها...
وكيف لي أنا المشبعة بكل تعاليم الأديان...واللاهثة وراء كل علم ينسف الخرافات والأعراف والتقاليد أن تزعزع يقينها عرّافة مارقة لا أكثر..
نظرت إليها وقد حط الزمن رحاله في صمتٍ متبادل بيننا وأنا أقنع نفسي بنكران معرفتها بي..وأن ما قالته ليس إلا ادعاءات ملازمة لعملها..
وقفت مكاني في محاولة يائسة لاظهار لامبالاتي بها...
لتكرر قولها:(لاتبحثي عنه...فهو مسروقٌ وليس بضائع)..
سألتها وأنا أريد الالتفاف على كلامها ...أعطيتك مالاً...هل تريدين أكثر؟
أجابت لا أريد شيئاً...لكن لن تجديه.....
قلت لها وأنا أدرك بأنها لن تخبرني بسر مهنتها...ولن تقنعني بأنها تعاطفت معي وأنا التي لم تعتد التواطؤ الأنثوي معها يوما...وكيف عرفت؟..
أخبرتني.. إن امرأة ارتدت الرماد في عينيها لابد وأن ألوانها سُلبت منها أو أنها تخلت مكرهة عنها....
فلاتبحثي عنه.....
رباب حبق/ سورية
سرد قصصي وعتبة مثيرة لإماطة اللثام عن الماهية المبهمة والتي ارتأت الأديبة ان تشرع بهذا المدخل الشيق لإتمام المفهوم الترميزي ورفع الغموض عن الحدث الذي بُنيَ من أجله السرد لتكون الحبكة مترابطة ومتوازنة في طرحها .حين تُعَبِر عن
اليقين الذي كاد ان يهتز داخلها والذي يُعَدُّ ثباته سبيلا للسعادة في الحياة الدنيا كون اليقين يدفع صاحبَه إلى فهم حقيقة هذه الحياة فلا يندفع وراء مغرياتها او مفاهيمها الغير منطقية والخارجة عن الأُطر الانسانية .. وكذلك حال الشك والذي يعد الخطوة الأولى لمعرفة الحقيقة .واذا زاد عن حده يتحول الى الظن .وكما معلوم إن الظن هو البهتان بحد ذاته وقد يهلك صاحبهِ. ويفقده رؤياه المنطقية ..
اضطررت ان اوجز المدخل لليقين والشك الذي تم طرحه من قبل الساردة لما لهما من معاني وعمق معرفي كبير، وقدر الامكان اختزلنا ذلك , فحقيقة الأشياء التي نتعامل معها بما تحمل في طياتها من عقائد راسخة . من الممكن ان تتعرض الى الاهتزاز في حال وجود مؤثرات مشخصنة وهنا اقصد العرافة التي اتخذتها الراوية محورها السردي في ابعادها وتأثيرها النفسي ..على مبدأ ( كذب المنجمون وإن صدقو ) . على الرغم من غايتها في التسول
و ربما اصابت بما افصحت عنه بكلام مبهم اثار حفيظة الشخصية الموقنة والملتزمة بتعاليم الاديان حد اليقين ،
والعقدة هنا حيثُ أجادت وأبدعت به الساردة رباب وجعلت القارئ يتسائل ، ما هو المسروق وليس ضائعا . ليبقى السؤال منفي الجواب
ومفتوحا للمتلقي في البحث عن هذا المبهم الذي اثار كل هذه الريبة والارتباك لديها . وفضلت من باب الهروب من الموقف على الرغم من تيقنها ليس من باب تعاطف إمرأة لِإمراة او معرفة سابقة بها كونها طارئة متسولة تُلقي ما بدلوها وقد أصابت برؤياها اللفظية وزادت من الغموض حين وصفت تلك الدخيلة مرتدية الرماد في عيناها او مكرهة على ذلك .
هنا إنّبَتَ الجانب الحواري وزاد من الترميز الشيق للقصة ليبقى الجواب بكل التكهنات مطروحا لفكر القارئ ..
سرد ماتع بصورة السهل الممتنع طرحه قلم الاديبة رباب بشكل مُحبب . متمنيا لها التوفيق وللمزيد من العطاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق