البشير عبيد / تونس
محمود درويش، من خلال لوحة من الفسيفساء تكسو جدران إحدى منازل منطقة الرياض بجزيرة جربة , تحدّى الموتَ وحاورَهُ وانتصرَ عليه حينما اعتبرَ أنَّ الفنَ بمضامينهِ الراقيةَِ من شعرٍ وأدبٍ وفنونٍ يُمْكنُ له أنْ يُهزِمَ الموتَ بجدارةٍ ، وبلغ به هذا التحدّي حدَ المواجهةِ:
هَزَمَتك يا موتُ الفنونُ جميعُها
هَزَمَتك يا موتُ الأغاني في بلادِ الرافدينِ
مسلَّةُ المصري، مقبرةُ الفراعنةَِ
النقوشُ على حجارةِ معبدٍ هَزَمَتك
وانتصَرتْ وأفـْلتَ من كمائِنِكَ الخلودُ
فاصنعْ بنا، واصنع بنفسِك ما تُريدُ، هزَمَتكَ يا موتُ،
هذا العمل الفني " جدارية فسيفساء " ..ليس بالامر الهين ان يقوم به فنان تشكيلي و موضوع الجدارية الشاعر الفلسطيني العربي الكبير محمود درويش الذي يعد أحد ايقونات الشعر العربي الحديث و الذي حلق في سماء العالمية بكل إقتدار و نبوغ لافت...شاعر فلسطين الأول في كل الأزمنة - إنتاجا غزيرا و نوعيا - جعل من القدس الشريف و رام الله و الجليل و طول كرم و غزة و كل مدن و قرى و ارياف فلسطين التاريخية الأبية العصية على كل محاولات الإستيطان و التهويد و التشريد....رمزا راسخا في ذاكرة كل الشعوب الطامحة للتحرر الوطني و الإنعتاق الإجتماعي و نبراسا تستلهم منه هذه الشعوب المقهورة الدروب المضاءة بروح المقاومة و الممانعة بكل تعبيراتها الفكرية و المدنية و السياسية ..في هذا السياق بادر الفنان التشكيلي التونسي القدير أستاذ الطيب زيود بانجاز جدارية فسيفساء ضخمة في قلب مدينة الرياض التابعة لجزيرة جربة التونسية الفاتنة.
اللافت في هذا الإنجاز التشكيلي النوعي عربيا ان الطيب زيود إبن جزيرة جربة تحدى إكراهات المرحلة و تجاوز الصعاب بعزيمة المكافحين الأشاوس و قرر إنجاز جدارية فسيفساء عن فقيد الشعر و الأدب الفلسطيني و العربي الحديث المرتبط بقضية اهلنا في فلسطين التاريخية الأبية الحالمة في كل لحظة بالحرية و العدالة و تأسيس الدولة الديمقراطية المدنية...الجدير بالذكر ان مبادرة الفنان التشكيلي التونسي المميز الطيب زيود إنطلقت من حادثة تمثلت في فسخ لوحة مجسمة لصورة محمود درويش في قلب مدينة الرياض من طرف بعض الموطنين الذين يرفضون تسمية الرياض مفضلين تسمية " حارة اليهود "....لا يسعنا في ختام هذه المقالة إلا ان نثمن هذا العمل الفني التشكيلي المميز تونسيا و عربيا و نقول لصاحبه أستاذ الطيب زيود....شكرا جزيلا على هذه المبادرة الشجاعة و مزيدا من النجاح و التألق و الإشعاع العربي و الكوني لمسيرته الفنية النيرة. ......
الفرسان لا يعرفون الهزيمة...بل يتجهون إلى لهيب المعارك.. كأنهم يعانقون بهاء الحلم......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق