............. ............... ................
ها نحن اليوم أمام نص مميّز يحمل قيمة فكرية عالية ومفردة شفافة تموج في فيض من جمال الداخل ، وهكذا عودنا الأديب المبدع علاء الدين الحمداني ، الذي تستوقفنا حروفه دوماً وتشرق في دواخلنا بنعيم الصور ،
تُعدُ الطبيعة بكل ما تحتويه من الأسرار الكونية العظيمة منهلاً عذباً، إستقى منه الشعراء معاني الجمال مع مرور الاوقات ، وهي مدعاة روحية للتوحد في مفردات الكون لنكون جزء من هذا الجمال الكوني ونعيد أدلجة الداخل بما يطهر درن الواقع ، فلم يدعو للطبيعة الا من كان له وعي عميق وعالي من الأدباء والشعراء ، يعبر به عن مكنونات الداخل ويكون أدعى الى أنسنة الشعور عبر هذا الفيض الابداعي المنهمر ، الذي يروي ذائقة المتلقي ويعد.كشهقة لانتوقف معها بشغف متواصل ، حتى نلتقط فيها أنفاس النقاء الغائب عن الأجواء اليوم ، حيث تشعل تلك الحروف الروح الشاعرة، وتدفع بالينبوع الكائن في أعماق النفس إلى التفجير والتدفق والانطلاق
وتمنح تلك الطبيعة الفاتنة أن تتنفس في ربا الداخل ، وتحيي ماإندرس من معاني الوجود الغائبة ، فتمتد تلك المساحة الخضراء كي تزهر في روابي القلوب ، بفيض من جمال متناهي ، كواحة غناء وجنة ظليلة تمتد في بطاحها السهول الواسعة وتجري فيها الجداول والأنهار وتغرد على أفنان أشجارها العنادل والأطيار وتنساب الينابيع لتعانق أزاهير القلب ، وتفوح منها عطور الياسمين وتنجلي بها ظلم الوجوم ، ويعطر النسيم جوها وبساتينها المشرقة، وقد تحدث عن جمالها كلّ من حلها، كما أفاض الاديب المبدع في وصف طبيعتها الفتانة ، وربط تلك الطبيعة الحية بمعاني الوجود الانساني ، في مشاعر الحب وفي رسم معاني الانثى الطاهرة النقية التي تتعرض ربما للإنتهاك المعنوي بوصفها قيمة جمالية كونية لايمكن المساس بها ، لكنه عبر عن ذلك الانتهاك عبر أنسنة الشعور وإدراك المتلقي معه أن الغرائز الحيوانية هي من تنتهك ذلك الكائن الذي يشكل قيمة وجودية عليا ، ولو تأملنا البنية الداخلية للنص نجدها بنية رصينة ذات تنقلات أخاذة حيث نلحظ الألوان البديعية التي أسهمت في إثراء النص إيقاعياً ، واختار الأديب أن يترنم بأصوت شفافة ندية تناغي الشعورالمهجور ويتوافق مع إزدهار معاني الحياة في هذه الروضة زمن الربيع الكوني ، يناغي الاديب زمن تفتّح الحياة، بنغم موشى بالحزن ،الأمر الذي يقوّي إحساس الشاعر بالزوال ، وقد عبّر عن هذا الإحساس بغلبة الكسرة على ألفاظه ، وبكثرة ، فالشاعر حزين لأنه يخشى زوال هذا الجمال والشعور المترف الذي يتمناه ، وقد ظهر هذا التعلق عندما جعل الروضة والربيع يتزاوجان ويتشابكان كي تمظهران عن حلم بهي يصارع مفردات الواقع ، ويعبر عن وحدة الانسان في واقع يهاجم معانية الانسانية في كل لحظة ، ويهمس لنا رغم كل ذلك أن هناك ولادة جديدة ، وكل هذا فيه صور للأنسنة التي توّجت تلك القطعة الموسيقية في سردية شعرية فياضة بالجمال الكوني ، والروحي والمعنوي ، فجمال الصورة عنده نابع من قدرته على بثّ الحياة والحركة في أوصالها ، ومن قدرته على خلق التناغم الصوتي والحركي مما يكسب صورَهُ عنصرَي التشخيص والإثارة ، كما ينجح في إضفاء الحياة على كلماته . ويجعلها كلمات خالدة تعبر عن أدب رفيع وشخصية كتابية فذة تخلد في ذاكرة المتلقي بجمال إنتاجها الادبي الثري والمتنوع . تقديري وإحترامي أستاذي المبدع وماقدمت من جهديسير في قراءة مبسطة عن نص يحمل من الثراء الفكري والمعنوي والروحي الكثير فنص مثل نص إغفاءة هُدهد يستحق أن نقرأه عدة قراءآت فلم أتوصل الى لتأمل ضفافه ، لا ان نغور أعماقه البهية ونجعلها متعة لعين قارئ واعي يستقرئ ملامحه البهية ويستقي من معانيه الروحية العالية أجمل الرؤى وأسماها وأرفعها . تقديري وإحترامي
سما سامي بغدادي
نص .. إغفاءة هُدْهُدْ ..
طائر .. أسكنُ كوةَ سنديانةٍ في غابةٍ قصيةٍ .. لا أسمعُ سوى أصوات متباعدةً لها صدى تشبه ترانيم تعلو وتخبو بانطفاء .. تتلاشى كصوتِ السكونِ يلامسُ الأفقَ .. النسائم تهمس منعشة في أذني ..تثقل أجفاني .. والوسن يشاغب عيوني .. خَدَرٌ شفيف يداعب أناملي ..
صخور ناعمة غطاها السرخسُ ينحدرُ فوقها كالزلال يُقطِّرُ متقطعاً ماءً بلورياً بأيقاعٍ يشبهُ دمعةً عذراءَ يُساقطُ بارتخاءٍ ..
كلما هبَ النسيمُ بالكادِ يطيرُ الورقُ القرمزي المنثورُ ، مُتدَّحرجا كالفراشِ كأنه بساطا قرمزيا محبوك النثرِ ..
من فوق تلك السنديانةِ الشاهقة أجولُ بعيني شساعةَ الغابة القصية . ورؤس التلال العالية البيضاء النائية والمكتسية بنُدَف الثلج .. نهارا ورديا سكب ملامحه السرمدية على روحٍ تحلمُ بإنتشاء ..
الحبُ هنا عجيبٌ ... غصنُ الوردِ يعانقُ زهرةَ الصبارِ .. الحمامة تبيض في عش النسر . السناجب ترمي ثمار البندق لطائر الدراج ..
يسبحُ الضوءُ في زوايا متباعدةٍ ..ِ يلجُ الجدولُ الرقراقُ العذبُ.. يلتفُ حولَ سيقانِ السنديانِ ..
معتلياً زغبَ الأديمِ ..ثرثرةُ العصافيرِ
نازقةٌ .. أنثى واحدةٌ والذكور كثارٌ
لا يهمُ .. لكل طيبٍ نصيب .. الشحرورة تنام في أيك الغراب ..
نافرةُ عيونِ السحالي ترقبُ منذ عهدِ فريستها ، واجمةً يالصبرها الطويلِ ..
ساحرٌ عناقُ اليمامتين .. البومُ يراقبهما دونما أكتراثٍ .. القُبَّرَة يفقس بيضها فراخا رمادية ترتع منكفئة بين أغصان الآس .. الأم تماحك الماء وتنثر بين جناحيها الرذاذ ..
هو الصبحُ الضحوكُ .. وعطرٌ يضوعُ من عرائشِ أَجمةِ الدغلِ . .
وسعُ الكف تمنيتها كوتي .. تكفيني وأحلامي الساهمة الصغيرة ..
على صوتِ بائعِ الغازِ المّقلقِ ..
أستيقظتُ بجناح متلهفٍ .. أبحثُ عن غابة ليس لها وجود ولا أثر .. صحوت مذهولا تفحصت جنبي
عله هناك بقايا من جناح أتكأت على شماعةِ ملابسي المتهالكةِ .. أبتسمْتُ بمرارة وندم .. اعددتُ قهوتي المُرة كعادتي .. قَلَّبْتُ فنجاني .. أتممت نومةَ اللحودِ وانكفأتُ في كوةِ مخدتي المتعرجة ، وسقفُ غرفتي يقطرُ بقايا ليلة كانت حافلةٍ بالرعود
الأديب علاء الدين الحمداني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق