( العتبة العنوانية بين النصية والمفتاحية )
دراسة تحليلية لنص " ااـفـانوس "
للشاعـر العراقي "د . صاحب خليل إبراهيم"
النص :
عـلى ضوء فانوسنا ,
قد كتبتُ رسائلَ عِـشقي وموتي
ومنْ شهقَةِ الجرح ِ , أحرفها ,
قطعـةً , قطعـةً , منْ دم القلبِ
صيرتُها شمسَ أغنيةٍ مشرقَهْ
ومن شهقة النار أغـرودةً ,
قد صَنَعْـتُ ,
لعـشقِ المواسم والكبرياء .
وبرَّدْتُ ماء الجرار ( الجحيم )
عـلى سطحنا في المساء
. . .
إلى أين تمضي ؟
بريدَ القوافل ؟
وهذا كتابي ,
يضم الحنين صلاة ً,
لفجر البهاء
ونذري أناشيد سفَر
تنام عـلى أنَّـةٍ ,
نَسَجَتْ بيتَنا للورود الحزينهْ
نشم ّ بدمع اللظى ,
كُلّ خيباتنا باصفرار الوجود ,
يضمُ الحنين سماءً ,
وطيفاً ,
طليقاً ,
يذوبُ ,
عـلى شفةٍ أشْعَـلَتْها الحرائق
لعلَّ عـناقيد أعـنابنا
تمدُّ لبرق المياه صباحاً ,
يفكك ظلمة أرض الخراب
. . . . . . .
على ضوء فانوسنا يسيل الظلامُ ,
تموت الخرائط
يسيل الظلام ,
ينابيع دغْلٍ
وأسرابُ طيرٍ تموت بكلّ الدروب
ونخلٌ ذبيحٌ على تربةٍ ,
تستحيلُ عذاب .
وكل زهور الحدائق ,
تموت بملح الجحيم .
وهذا غـناء البساتين ,
عتلى حجر الماء زهر اغـتراب . . ! .
عـلى ضوء فانوسنا يستفيق الحصى .
تهب الرياح . . ! .
في ظلمة الكهف جوعـاً شممنا ,
وشمساً سمعـنا ,
ستشرق من آخر الكون , تبدو
بثوب نهار بليد ,
تصلي عـلى نسجه ,
جمرةٌ من دماء الشهيد .
إلى أين يا ضوء فانوسنا سوف نمضي ؟ .
فاي ّ دمٍ سال فوق اللهيب ؟ .
سخامك يعـلو سماء الظلام .
أفاعـي الخراب تلوذ بطين العـفاء .
بكل الجهات تلوذ الأفاعـي ,
لتسرق خبز البقاء .
إلى أين يا ضوء فانوسنا ,
آدم المبتلى سوف يمضي ؟
وهذي الفصول الكسيحةُ ,
تحفر قبر اليتيم .
وحواء صلَت عـلى نَدمٍ ,
كان إغـراء تفاحةٍ ,
قد عـوى في الفضاء .
هذا عـواء الهواء ,
دمٌ فاترٌ يتلظى ,
يُردد في ظلمة الأرض ,
هذا أسى كربلاء . . ! .
وحواء سالت ,
عـلى وجهها عثـزلةٌ عـارمة .
وسالت بقايا اجتراحٍ أثيم .
تَكسَر حلْم التوهج ,
في نغـمةٍ فاحمة .
وهذى المدى بين جُرح المسافة والحُاْم ,
يسكن روح المخاوف, ,
في وحشةٍ كافره ,
وهذا نثارُ التراب ,
يدور عألى نهدة الريح في ,
فلك الراحلين .
فأي الليالي , تفككُ أرحامَها ؟ .
أي غـيمٍ سيورق في ,
أضلعٍ الفاجعـهْ ؟ ,
وأي العـصافير تشدو ,
يتم الشجر ؟ .
وهذي القلوع حَجَر . وهذا النخيل حجر .
وهذا الزمان حجر . . !
عـلى ضوء فانوسنا منذ عـشرٍ ,
سمعـنا نشيد الرياح .
ومرّ السحاب طعـمنا ,
وتعـوي الذئاب بلي الفرات .
وهذا أوانُ النعـاس ,
عـلى نجمة الصباح
لعـل دخان الفوانيس ,
يُطرِّز ريح اليباس . . !
ليزهر في شحر البيت قداحْ .
..............
الدراسة :
ما هو متعارف عليه ، لدى المعنيين و المهتمين بموضوعة النص الحداثوي ، ان العتبة العنوانية ، كممظومة سيميائية اشاراتية دلالية ، تُعد من اهم النصوص الموازية في المُنجز الادبي الابداعي الحداثوي ، وأول ما يتبادر لذهن المتعاطي مع هكذا نص ، ان العنوان يمثل مفتاحاً لمغاليق النص ، يُمكِّنه من ولوج عالمه الداخلي ويساعده على سبر اغوار بنى دلالاته ، وصولا للتعرف على معناه الكلي .
غير ان هناك عتباتٍ ، لها خصائص ومعايير النص المصغر المكثيف ، بهذا المقدار او ذاك ، وهنا يغدو ( المتن ) مفسراً وموضحاً لدلالتها المعنوية ، والقراءة الفنية المعمقة للنص و عتبته ، هي ما تحدد نصية او مفتاحية العتبة ، وان اشكل على تلك القراءة التغريق بينهما ، فيكون تفكيك العتبة هو مايقرر نسبتها الى احدهما .
وعتبة هذا النص ( موضوع الدراسة ) ، هي من هذه العتبات الاشكالية ، وتفكيكها وحده سيكون البات في امر تحديد نوعها .
التفكيك :
العتبة العنوانية ( الفانوس ) ، جملة اسمية مركبة من مبتدأ وخبر،مزاحة تركيبياً بحذف احد رُكنَيها وكما يلي :
مبتدأ (مسند اليه) ظاهر/ الفانوس + خبر( مسند ) محذوف/ مسكوت عنه .
تفكيك الركن الظاهر منها :
اولاً / البنية الدلالية
الاشارة ( الفانوس ) متعددة الدلالات ،كما في ادناه :
1 ـ الدلالة المعنوية : الفانوس آلة مصنَّعة لغاية محددة هي توليد
الضوء ، باحتراق الوقود السائل ( النفط الابيض ) في داخله
2 ـ بالاحالة الخارجية / التراث الشعبي : وسيلة اضاءة بدائية ، كان اهالي
القرى والارياف والاحياء الفقيرة في المدن ، يستعملونها في اضاءة دورهم
ومناطق تجمعاتهم العامة وحتى طرقهم وشوارعهم ، قبل شمولها بالاضاءة
الكهربائية خلال العقد السابع من القرن الماضي ، فالفانوس ارتبط بحياة
الفقراء والطبقة الكادحة في المجتمع العراقي .
*المسكوت عنه وجود المقابل لها / الطبقة الميسورة الحال .
ومقاربتها السوسيولجية : وجود تفاوت طبقي في المجتمع
3 ـ الدلالة الرمزية : كون الفانوس مصدر اضاءة / النور ، امكن توظيفه
كإشارة لرمزية النور، ومنها انه كاشف لما يحجبه / يستره
ما سكتت عنها وهي / رمزية الظلام ، مما يوحي بتوترية العلاقة بينهما .
لكن هذه الاشارة موحية بالسكونية والفاعلية الزائلة ( المؤقتة ) من جهة ،
و بإرتهان دلالتها بمزاجية الآخر، من جهة اخرى
فسكونيتها تعني : ثبوتها في موضع لاتبرحه ، فهي تساعد على رؤية ماستره الظلام من حولها فقط ، ولا تفعل فيما هو ابعد من ذلك
اما فاعليتها الزائلة فتعني : ان اثرها في ازاحة الظلام مؤقت ، فما ان ينطفئ الفانوس حتى يعود الظلام ليلف المكان
المقاربة الدلالية : محدودية الاثر / فاعلية آنية غير دائمة
اما ارتهانها بمزاجية الآخر : اي ان هناك من يقرر / لايقرر ، ملء حجرة النفط في الفانوس كلما نفد ( جراء استعمال )، وكأنَّ للفانوس مرجعاً يعود اليه باضطراد كي يمده بما يديم عمله.
وكما في المقاربات التالية :
ـ رمزية النور = العلم ، الثورة ، الحرية
المكافئ الموضوعي لها = الوعي الحر
اذاً : النور = الوعي الحر
ـ رمزية الظلام = الجهل ، الظلم ، العبودية
المكاقئ الموضوعي لها = التخلف
اذاً الظلام = التخلف
العلاقة المتقابلة :
النور / الظلام = الوعي الحر / التخلف
باستدعاء الاشارة ( الفانوس ) كتوظيف دلالي متعالق مع رمزية النور :
الفانوس = الوعي الحر
بالاحالة الداخلية على الدلالة / 3 اعلاه ( مزاجية الاخر ) ، نفهم أنه
وعي آني الأثر ومنقوص الحرية / فكر يصف ولايغير ،تبعي غير مستقل ،اي يعتمد على مرجعيات ( آخروية ) تتحكم باشتغالاته الثورية ، من خلال تحكمها بديمومة / تعطّيل نشاطه الجمعي التنويري، ودوره الوطني في الحياة السياسية ،
مكافئه الموضوعي : الفكر اليساري
موضعة هذا الفكر مكزمانياً :
العراق المعاصر (بالاحالة الخارجية / سيرة حياة الشاعر : عراقي / 1946ـ ..)
ثانياً / البنيتان النحوية والصرفية
ـ النحوية : الفانوس مبتدأ ، بدلالة معرفيته ( معرف بأل ) ، خبره محذوف جوازاً
المقاربات الدلالية لهذا الحذف :
الحذف الجائز = السكوت عن المحذوف بقصدية ما
ومقاربات دلالات هذه القصدية :
* فتح مجال تخمين ماهية الخبر امام القارئ واسعاً ، بشد انتباهه ، واثارة فضوله مما يعني استدراجه لولوج عالم النص ،
* عدم تخصيص المبتدأ بخبر ظاهر محدد المعنى ، يجعل اشارته متعددة الدلالات ( كما مر بنا آنفاً ) ، فتكون ذات ( طبقات معنوية ) متعددة ،
* كونه مسندأ اليه بلا مُسند ، جعله مقطوعاً عما بعده ، ضعيف التأثير في سياق جملة مبتورة ،بلا انتماء لجملة لها معنى محدد ، مما جعله بحاجة للآخرين ( القراء ) لتقدير خبره ، وهذا يكافئ ما سبق ذكره في الدلالة / 3 أيضا ( وكأن الفانوس له مرجع يعود اليه باضطراد كي يمده بما يديم عمله.)
ـ البنية الصرفية :
الفانوس اسم آلة جامد ، غير قياسي ، وجموديته تكافئ دلالة / منقوص الحرية اعلاه ، وغير قياسيته ( اي انه غير مشتق عن مفردة من جنس حروفه وفق قاعدة صرفية ثابتة ) تَقْرُبُ دلالةً من قولنا السالف الذكر ( بلا انتماء لجملة لها معنى محدد ) .
نستنج ان التفكيك اعلاه ، أبان الخصائص النصية ادناه لبنية الاشارة العنوانية :
ـ تعدد الدلالات ظاهرياً ، وتعالقها تحتانياً مع بعضها معانوياً ، في سياقٍ
مقاميٍّ* متماسك / منسجم ،لوجود ( ترابط دلالي ) فيما معانيها ، مما
جعلها قابلة للفهم و التأويل ،
ـ وجود الازاحة التركيبية ( حذف الخبر ) ، له قصدان :
1 ـ جعل الاشارة باعثةً / مرسلةً لسؤال ( ترى أي فانوس هو ؟؟ ) :
أهو خاص / فانوس البيت مثلاً،أم عام / فانوس الشارع او المقهى ... الخ ، وقد يكون سؤالاً عن لونه او حجمه وغير ذلك ، او انه سؤال عن دلالته الرمزية ؟ و ... الخ ، والمتن النصي هو الذي يقدم الاجابة المنشودة عنه ، من خلال تحليله وشرحه لدلالات تلك الاشارة .
2 ـ الحذف ( بأرَ ) الاشارة دلالياً / جعله بؤرة دلالية ، مما جعل المعنى التحتاني للعتبة العنوانية يتمحور حولها .
باعادة تركيب ما نتج ، عن تفكيكنا ، من دلالات ، مقاربات معنوية
واخرى مسكوت عنها ، اضافة للخصائص السابقة ، يتولد لدينا :
ان الاشارة العنوانية هي ( عتبة عنوانية نصية مصغرة مكثفة ) .
مقاربة دلالتها المعنوية التحتانية :
لااستقلالية الفكر اليساري العراقي
بذا على المتن ان يفسر ويوضح ويجيب عما تثيره من اسئلة
بحكم علاقته الجدلية معها
المتن :
المقطع الاول /
( عـلى ضوء فانوسنا ,
قد كتبتُ رسائلَ عِـشقي وموتي
ومنْ شهقَةِ الجرح ِ , أحرفها ,
قطعـةً , قطعـةً , منْ دم القلبِ
صيرتُها شمسَ أغنيةٍ مشرقَهْ
ومن شهقة النار أغـرودةً ,
قد صَنَعْـتُ ,
لعـشقِ المواسم والكبرياء .
وبرَّدْتُ ماء الجرار ( الجحيم )
عـلى سطحنا في المساء )
كتابة الرسائل دليل ابتعاد كاتبها مكانيا عن المرسل اليه ، ولما كان الفعل ( كتب ) منقطع ( لم يذكر الكاتب الى من كتبها ) ، فهي انما رسائل على سبيل المذكرات الشخصية ،او التوثيق الانفعالي الذاتي ، بدلالة ( عشقي و موتي )وهذا التوثيق محرَّف ( احرفها ) ، بسبب / قاهر او مانع خارجي ، هو من سبَّب { موتي ( وهو معنوي هنا ) ، شهقة الجرح / شهقة النار } ، ويراقب كل من يعترض على افعاله ( مانع سلطوي / عيون اتباعها ) ، مما اجبره
على التحريف اتقاءً لأذاه او مساءلته ( وهذا ينسحب على / عشقي ، فهو عشق محرّم كأن يكون عشقاً للحرية او للخلاص من الظلم ، وما شابه ، فلو كان عشقاً لحبيبة لما اضطر لتحريفه ) ، فجاء تحريفه لرسائله
( صيرتُها شمسَ أغنيةٍ مشرقَهْ) ، وجعل من شهقة نار الحرمان ( اغرودة .... لعشق المواسم والكبرياء )
وهو هنا يخفي / يسكت عن ، مايقابل هذه التحريفات ، والتي يعيشها في واقعه ، وكما توضحه هذه التقابلات :
شمس / ظلام ، اغنية مشرقة / عويل حزن ، اغرودة / نعيق ، المواسم والكبرياء / جدب حياة والهوان .
ولا ينبري الا الشقاء كواقع حقيقي ، شقاء حوّل جرار الماء الى جحيم لايمكن تبريدها للشرب سوى بوضعها على سطح البيت ليلاً ( وبردت ماء الجرار ( الجحيم .. على سطحنا في المساء ) وهذا مما لايحتاج
الى تحريف لأنه يُشعر الرقيب ان السلطة نجحت في تحقيق هدفها ( افقار الناس وحرمانهم )
هي اذاً رسائل توثق لواقع بائس ، كان بمثابة المحفز لولادة فكر يتماهى مع تطلعاته بغد افضل ، ويحقق له حياة كريمة ، لكن صاحبه لايقوى سوى على تحريفه ، وعدم التصريح به للاسباب المار ذكرها .
"المتن هنا ( يوضح ) الملامح الوصفية الاولية لبيئة نشوء ذلك الفكر ، وما كان يحفّ به من مخاطر ".
ويضل ( الفانوس ) يلازم مطلع كل مقطع من مقاطع المتن لتأكيد حضورة بأعتباره ( بؤرة ) دلالية ،الا المقطع الثاني باعتباره امتداداً للاول بدليل ( بريد القوافل ) ، فالبريد له ارتباط دلالي ( بالرسائل )، اضافة الى انه
يموضع ذلك الفكر بيئوياً :
(إلى أين تمضي ؟
بريدَ القوافل ؟
وهذا كتابي ,
يضم الحنين صلاة ً,
لفجر البهاء
ونذري أناشيد سفَر
تنام عـلى أنَّـةٍ ,
نَسَجَتْ بيتَنا للورود الحزينهْ
نشم ّ بدمع اللظى ,
كُلّ خيباتنا باصفرار الوجود ,
يضمُ الحنين سماءً ,
وطيفاً ,
طليقاً ,
يذوبُ ,
عـلى شفةٍ أشْعَـلَتْها الحرائق
لعلَّ عـناقيد أعـنابنا
تمدُّ لبرق المياه صباحاً ,
يفكك ظلمة أرض الخراب )
الاشارتان ( صلاة / نذر ) ذاتا تناص خارجي / الطقوس الدينية ،
الاشارات ( انة ، الورود الحزينة ، دمع اللظى ،خيبات ، اصفرار الوجود ،
الحرائق ، اعناب ، ظلمة ، ارض الخراب )
" المتن هنا ( يموضع ) ذلك الفكر ( مكانياً / بيئوياً ) بذكره ما تتصف به مناطق وسط / جنوب العراق ، من تقاليد دينية لاسيما ( النذر ) وشظف العيش ، والاحزان وخراب الارض رغم وفرة خيراتها "
، فكر يكتفي باللوذ بالرجاء ( لعل عناقيد ... تمد لبرق ....يفك ظلمة ...) ، والرجاء يقابله / غياب السعي لتحقيق المراد .
المسكوت عنه : جور السلطة فهي المسبب لتلك الويلات .
ولرسم معالم ذلك المكان / البيئة ، بشكل اكثر تحديداً ، يذكر المتن اشارة (نخل ) لدلالة على الجنوب العراقي ( ونخلٌ ذبيحٌ على تربةٍ ,) في المقطع :
( على ضوء فانوسنا يسيل الظلامُ ,
تموت الخرائط
يسيل الظلام ,
ينابيع دغْلٍ
وأسرابُ طيرٍ تموت بكلّ الدروب
ونخلٌ ذبيحٌ على تربةٍ ,
تستحيلُ عذاب .
وكل زهور الحدائق ,
تموت بملح الجحيم .
وهذا غـناء البساتين ,
اعتلى حجر الماء زهر اغـتراب . . ! .)
الاشارة ( تموت الخرائط ) : دلالة على الحروب التي تسببت بها السلطة الشمولية مع دولتي الجوار شرقاً وجنوباً والسبب المباشر لها كان الاختلاف حول الحدود البرية والمائية ،اضافة الى اشارات ويلات تلك الحرب ( وأسرابُ طيرٍ تموت بكلّ الدروب
...ونخلٌ ذبيحٌ على تربةٍ )
وغيرها من اشارات المآسي والفجيعة والغربة النفسية .
"المتن ( يشرح ) " الموقف الوصفي ، لااكثر ، لذلك الفكر ، الذي
( يسيل الظلام ) عليه ورغم ذلك لاينتفض ببصيص فعل يبدد سواد حزن الضحايا ، ويبقى ملازماً ( السكون / اللافاعليه ) ويكتفي بتمني تحقق المحال ( استفاقة الحصى ) ، رغم تصاعد الويلات والفواجع ( دماء الشهيد ) كما في :
( عـلى ضوء فانوسنا يستفيق الحصى .
تهب الرياح . . ! .
في ظلمة الكهف جوعـاً شممنا ,
وشمساً سمعـنا ,
ستشرق من آخر الكون , تبدو
بثوب نهار بليد ,
تصلي عـلى نسجه ,
جمرةٌ من دماء الشهيد )
احجام ذلك الفكر عن المواجهة ، واكتفائه بالمراقبة والتمنيات ، بلغ حد
ان من يستفهم منه عن طريق الخلاص ( إلى أين يا ضوء فانوسنا سوف نمضي ؟)،
لايحصل منه الا على ( سخامك يعـلو سماء الظلام .) / مقاربتها الدلالية :
المُثُلٍ والشعارات البراقة لكنها جوفاء ، كما ( بريق ) الاحتراق الذي يولد السخام :
( إلى أين يا ضوء فانوسنا سوف نمضي ؟ .
فاي ّ دمٍ سال فوق اللهيب ؟ .
سخامك يعـلو سماء الظلام .
أفاعـي الخراب تلوذ بطين العـفاء .
بكل الجهات تلوذ الأفاعـي ,
لتسرق خبز البقاء .)
باقي اشارات المقطع وصفية لتصدع واقع الحياة ( بكل الجهات ) ،
" المتن ( يوضح ) " عزوف وانقطاع ذلك الفكر عن التاثير في الحياة الواقعية ، وبقائه شعاراتياً .
والمقطع ماقبل الاخير ادناه يؤكد تلك القطيعة :
( إلى أين يا ضوء فانوسنا ,
آدم المبتلى سوف يمضي ؟
وهذي الفصول الكسيحةُ ,
تحفر قبر اليتيم .
وحواء صلَت عـلى نَدمٍ ,
كان إغـراء تفاحةٍ ,
قد عـوى في الفضاء .
هذا عـواء الهواء ,
دمٌ فاترٌ يتلظى ,
يُردد في ظلمة الأرض ,
هذا أسى كربلاء . . ! .
وحواء سالت ,
عـلى وجهها عزلةٌ عـارمة .
وسالت بقايا اجتراحٍ أثيم .
تَكسَر حَلْم التوهج ,
في نغـمةٍ فاحمة .
وهذا المدى بين جُرح المسافة والحُلم ,
يسكن روح المخاوف, ,
في وحشةٍ كافرة ,
وهذا نثارُ التراب ,
يدور عألى نهدة الريح في ,
فلك الراحلين .
فأي الليالي , تفككُ أرحامَها ؟ .
أي غـيمٍ سيورق في ,
أضلعٍ الفاجعـة ؟ ,
وأي العـصافير تشدو ,
يتم الشجر ؟ .
وهذي القلوع حَجَر . وهذا النخيل حجر .
وهذا الزمان حجر . . !
في اعلاه " المتن ( يفصّل )" لاابالية ذلك الفكر بالهم الجمعي واصراره على الاعراض عن اجابتهم ، حتى ان اضطروا لمغادرة / جنة العراق :
( الى أين يا ضوء فانوسنا ,
آدم المبتلى سوف يمضي ؟)
مقاربة ( ادم المبتلى ) المعنوية : العراقي الذي حل عليه بلاء القهر والحرمان
المسكوت عنه / الجنة
ترك الوطن مكافئوها الدلالي : الهجرة ( وهذا المدى بين جُرح المسافة والحُلم )
و ( وهذا نثارُ التراب ,يدور عألى نهدة الريح في , فلك الراحلين .)
والمقطع متخم بالاشارات الدالة على اللوعة والخوف والوحشة .. الخ التي ترسم صور الغربة المبددة للامان
المقطع الخير :
(عـلى ضوء فانوسنا منذ عـشرٍ ,
سمعـنا نشيد الرياح .
ومرّ السحاب طعـمنا ,
وتعـوي الذئاب بلي الفرات .
وهذا أوانُ النعـاس ,
عـلى نجمة الصباح
لعـل دخان الفوانيس ,
يُطرِّز ريح اليباس . . !
ليزهر في شحر البيت قداحْ )
" المتن ( يطلق الدلالة ) " الفانوسية لتشمل سائر ( الفوانيس / الافكار ) الاخرى ،
لكنها دلالة تؤكد ( شعاراتيتها ) اجمع :
( لعـل دخان الفوانيس ,
يُطرِّز ريح اليباس . . !
ليزهر في شحر البيت قداحْ )
المتن اذاً يجيب عن السؤال : ترى أي فانوس هو ؟؟ / الذي طرحته العتبة
والجواب : انه الفانوس ذو المعنى التحتاني / الفكر اليساري ( كما اوضحناه
سابقاً ).
....................................................................................................
* السياق المقامي : هو السياق الخارجي / خارج النص، الذي
يمكن أن تقعَ فيه الاشارة، وما يرتبط بها من عناصرَ غيرِ لغوية زمانية
تتصلُ بالعصر، او مكانية بيئوية او مجتمعية عامة وغيرها .
ـ باسم عبد الكريم العراقي ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق