دراسة نقديةبعنوان // بين عضوية ( الألم ) ووجوديته // بقلم الاستاذ // حسين الساعدي // لمجموعة ذاكرة الثلج // للشاعر الاستاذ // فاضل حاتم

. . ليست هناك تعليقات:

"الشـاعـر "فاضــل حـاتــم"
   بيـن عضويـة (الألـم) ووجـوديتـه 
      بقلم/ حسين عجيل الساعدي 

البحث في الألم كالغوص في أعماق الوجود، وذلك من أجل إدراك حقيقة الألم الوجودي.
فالألم لم يكن حالة جسدية حسية فقط، يصيب أنسجة الجسم جراء علة فيولد الشعور بالألم. وأنما يتعدى ذلك الى عوامل شتى يمر بها الإنسان، سواء كانت إجتماعية أو سياسية أو أقتصادية أو نفسية أو روحانية. لذا أن موضوعة الألم لم يتم تداولها من قبل الطب حصراً، بل كانت أحدى مباحث علم النفس، والأجتماع، والفلسفة، وكذلك في الأدب بكل أجناسه والأديان بتنوعها . وعليه لابد أن نقدم تعريفات ومقاربات عن الألم فتكون مدخل لتأطير هذه المفردة وأيضاح مفهومها من أجل الوصول إلى صيغة تعريفية جامعة لها .
يُعرف أهل اللغة الألم بأنه "الوجع" ، أما في الطب فهو (إحساس مرهق يتسبب عن تنبيه نهايات عصبية ميكروسكوبية تختلف عن سواها من النهايات الحساسة بكونها عارية) المعجم الكبير ، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، (1/436).
وأما المتصوفة فيروا أن الألم (نقيض اللذة وأن اللذة هي طريق الأيمان بالله وشعور بالرضا الرباني ومن حادَ عن هذه اللذة سيعيش في ألم دائم) . ويرى آخرون أن الألم عبارة عن (تجربة حسية أو عاطفية بغيضة وقاسية يتعرض لها الإنسان وتترك في كيانه المادي أو المعنوي جرحاً غائراً) . ويذهب الفلاسفة الى كون الألم (حالة نفسية يصعب تعريفها، وتتميز بإحساس مادي أو معنوي بعدم الراحة أو بالضيق أو بالمضض) المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، ص2 . ووفق هذا المفهوم تعمق الفلاسفة في دراسة الألم ، فهذا إفلاطون (427 ق.م - 347 ق.م) يرى (أن القلب هو مركز الشعور بالألم) ، في حين يذهب ديكارت (1596 – 1650) الى أن الألم (ينتقل من خلايا الجسم إلى الدماغ ، حيث يتم الشعور بالألم) . إذن الألم "douleur" (شعور شخصي بعدم الأرتياح أو بوجود أذى من شدة ما، لا يعرفه إلا من يجربه ولا يحسن وصفه إلا من يعانيه ) . الموسوعة العربية .
وعلى حد وصف الشاعر:
لا يَعْـرِفُ الشَّـوْقَ إِلاَّ مَـنْ يُكَابِدُهُ
ولا الصَّبَـابَـةَ إِلاَّ مَــنْ يُعَـانِيــهَا

وهناك تقسيم للألم إلى قسمين : الألم الذاتي أو الشخصي والألم الإنساني أو الجمعي . أضافة الى تقسيمات أخرى نذكرها ، مثل الألم الوجودي/الألم الرومانسي/الألم الفلسفي/الألم السلبي/الألم الإيجابي .
لقد طبعت ظاهرة الأحساس بالألم الشعر العربي المعاصر بعمومه ، فهي سمة بارزة فيه ، قلما نجد شاعراً یخلو شعره من مضمون الألم . حتى غدى لعنة أزلية أستحوذت على قلوب الشعراء الممهورة والمفجوعة بألألم والحزن ،فهم يكتبون الكلمات باحساس الألم ، حتى أصبح وسيلة هامة للتعبير .
ويروى(أن بعض العرب سُئلوا: ما بال أفضل أشعاركم الرثاء..؟ فأجابوا: لأننا نقولها وقلوبنا موجعة، أي لأنها صادرة عن عاطفة حارة، خالية من كل تكلف وتصنع ) . فهو معاناة ذات أبعاد متعددة ، سواء كان هذا الألم فلسفي حكم على الشاعر بـ(ألم وجودي) ، من خلال الأشارة الى (ميل نحو تحقيق الكيان من خلال الشعور بضآلة الذات وعذابها في مجرى التطور الكوني والإنساني، وإلى حالة أكثر نقاء). فيظهر شجاعته للأخرين وهو يعاني حالة أنكسار داخلي ، أو (ألم حضاري) تجسد بتجربة نفسية (أستهلكت قواه) ، أو (ألم جسدي) مصاحب للشاعر كونه إنسان واقعي ذا أحساس مرهف . فتتصاعد أزمة الألم عنده وهو يخوض صراعاً بينه وبين واقع مؤلم . 
قد يتصور البعض أن الشاعر الفرنسي "الفريد دي موسيه" (1810 /1857) ، (مازوخيا)ً حين يقول ، ( لاشيء يجعلنا كباراً كالألم ) ، فيعد قوله انحرافاً سلوكياً يربط الألم باللذة . بل
هذا ، هو الشعور بالألم الإنساني ، وبصدق ما يعانيه الإنسان ، وهذا الروائي اليوناني "إسخيلوس" (525 ق.م/ 456 ق.م) ، يؤكد أن (الألم يعلم الإنسان) . في حين يرى الفيلسوف الالماني "نيتشه" (1844 /1900) ، أنه لا يمكن للإنسان أن يحقيق الذات بدون أن يكون هناك ألم ومعاناة. فـ(النظر إلى المعاناة على أنها شر أمر يجب إبطاله، وهو غباء أشد خطورة) ، فيؤكد في كتابه "جينيالوجيا الأخلاق" (أن المشكلة لا تكمن في الألم بحد ذاته، ولكن في غياب جواب عن سؤال: لِمَ الألم ؟) . فالألم عنده تجربة ترتقي بالإنسان الى الأبداع . وكما يقال في المثل (من يعد العصي ليس كمن يتلقاها) .
في هذه القراءة نحاول أستقصاء حالة الألم التي ينطلق منها الشاعر "فاضل حاتم" حين يكتب نصه الشعري بلغة حسية مباشرة ، وهذه تجربة شعورية معاشة من قبل الشاعر حين يلجأ إلى مكنونات نصه الشعري ، فيكون النص ساحة للصراع النفسي ، يعكس حاجة الشاعر في لملمت عذاباته وألامه النفسية وإيصالها للمتلقي ، حتى يجعله يشعر بوجعه ، ويكون النص ملائم لحالة المتلقي ، فيجد شيئاً من ذاته عند قراءة النص . فالشاعر حاتم فاضل "كائن شعري" فهو على المستوى الإنساني ، إنسان سامى الخلق ، نلمس فيه الكثير من النبل والمعاني الإنسانية الراقية والنبيلة . عاش حالة الألم بأنواعه . 
فلسفة الألم عند الشاعر "فاضل حاتم"
ألم وجودي يرتقي الى ألم كوني .

كلُّ شَيْءٍ تافه...؟!!!
أم أنا الوحيد، من يشعر بتفاهته
...
التسكع هو العمل الوحيد الذي أجيده، للبحث عن جدوى مفقودة 

أخذ الشاعر "فاضل حاتم" الألم من جانبين أيجابي وسلبي ، فالجانب الأيجابي أنعكس في مشاركة الأحساس مع الأخرين وصفاء المشاعر . أما الجانب السلبي تمثل حين سُرقت لحظات سعادته من سنوات قضاها في السجون النظام الدكتاتوري ، والمعاناة والعذابات التي خاضها بداخل هذه السجون من التعذيب .

أضعتُ أوراق ميلادي وموتي
ومابينهما من نزق
أمتصّتهُ جدران الزنزاناتُ المعتمة
وهراواتُ الحرسِ الأخرق
أدمت أنفي وفمي، جزاء قصيدة ٍ ثكلى
رثيتُ بها نفسي

أضافة الى الألم الروحي والنفسي ، الذي أدت به الى حالة من اليأس والكآبة . ما جعله في غربة وعدم أنسجام مع واقعه . والقارئ يطلع على ما في حروفه وأعماقه من ألم . 

تمردٌ..
أثقلني الوجودُ أسئلةً وأمراضاً مزمنة
وتَرَكَتْ السياطُ خرائطاً على جسدي
هربتُ من أشياءٍ كثيرة
كان آخرها هدير البحر
وهو يوشوشُ من بعيد
خلتهُ سيبتلعُ المدينةَ ، في لحظةِ جنون
أكتبُ للذين أحبّهم، بزعفرانَ على ورقِ النرجس
أرسمُ (أمل)..

الأعمال الشعرية للشاعر"حاتم فاضل " تكاد أن تكون صورة شخصية للشاعر المحكوم بالألم ، والتي جاءت في مجاميعه الشعرية :
1- وداع ماري/2016
2-وحده يكتب وصاياه الأخيرة/2016
3- الموتى يتسلون بالذكريات/2016
4- وحدك قصيدتي ومنفاي/2017 
5- أحبك بالجينز الممزق/2017
6- ذاكرة الثلج/ 2017
فأعماله الشعرية تعكس عمق تجربتة ورؤيتة للحياة ، كأن الشعر هو الحياة، والتوقف عن الكتابة يعني الموت.وهذا ما نلاحظه في غزارة أنتاجه الشعري الذي يسير بأيقاع سريع وكأنه يسابق الزمن .
فنصوصه الشعرية مرآة حاله في الحياة وعاكسة لروح التمرد على الواقع . فالألم دفعه إلى تصوير كل ما يشعر به ، فهو يتفجر على شاكلة ثورة غضب .

ذهبتُ بعيداً..
في مدن العالم
في المنافي
إبحثُ عن هويتي الضائعة
وجدتها أخيراً.. ممزقةً
بخناجر اخوتي

لقد أمتازت تجربته بالألم المنقوع الذي أرقه كثيراً وهو يتلمس بعضاً منه عبر قصائده المحملة بالإيحاء والدلالة ، ومقدار هذا الألم الذي يطارده . فهو يبني نصوصه بناءً درامياً ، فيجعل من هذا البناء ركناً يقوم عليه النص مما يسمح بتعدد الرؤى داخل النص .
فنصوصه الشعرية تضج بالحزن والألم ، في دلالاتها ورموزها المرتبطة بالذات ، ورؤيته التي غطت المساحة الواسعة من نصوصه ، فهو يمزج في ألمه بين الحسي والمعنوي ، فالوجع الشعري الذي سطره الشاعر "فاضل حاتم" جاء على شكل صور متراكمة في مواجهة الذات ، يستبصر رؤيته الكونية ، عبر ألامه فتخرج بدفقات شعورية مختلفة ، تجلت من خلال بناء اللغة الشعرية في نصوصه الذي شكل الألم أكثر مضامينها . ورغم كل الألم الذي يحيط به والمستحوذ على روحه إلا أنه استطاع من خلال الصورة الشعرية رسم ملامح ألمه وأبعاده الروحية والنفسية .

في دلهي البعيدة
حططتُ رحلي، والأماني
لكنني فيها..
غريبُ اليدِ، والوجهِ، واللسانِ
حاملٌٌ سرطاني
وقلباً متعباً، سُدتْ شرايينه
سوى دمعتين
تسيل بصمتٍ
في ذلك المكان

قد يشكل الألم حتمية في حياة الشاعر "فاضل حاتم" اليومية ، حين تعددت الأفكار عن ألمه وتنوعه . فما هي روافد هذا الألم ؟ وهل هذا الألم جسدي أم نفسي أم وجودي ...؟ (الموسوعة العربية) .
الشاعر "فاضل حاتم" ينظر الى الوجود نظرة تنم عن عبثية هذا الوجود ولا جدواه وعدم الأكتراث واللامبالاة والقلق والضياع والأغتراب ، وهذه لوازم الألم الوجودي ، الذي يؤدي الى ألم كوني ، لأن الوجود ينتهي بالموت ، الذي (فاغر فاه ليبتلعه) ، فهو في حالة صراع بين الحياة والموت ، فالموت يقرع ابوابه ولكن نراه يتشبث بالحياة . كما عبر "نيتشة" عن هذا الصراع بمقولته (ذلك الذي لا يقتلني، يقويني) . وهذا ما تفكر به الفلسفة الوجودية والإنسان الوجودي من خلال رؤية مشحونة بالأنفعال والقلق الداخلي الذي يقوده الى ذاته . وعلى حد تعبير الفيلسوف اليوناني "أبيقور" (340 ق.م /270 ق.م) :(عندما يحل موتي أكون قد أصبحت غير موجود.. وطالما أنا موجود يكون موتي لما يأتي بعد ..). فـ(مأساة الشاعر المعاصر مأساة مزدوجة فبإضافة إلى هزيمته الشخصية بأعتباره شاعراً ، فهو يستشعر مأساة الإنسان عموماً . مأساة الإنسان عندما أستحال إلى ترس في عجلة المدنية الحديثة المؤسسة من قوالب الأسمنت والإسفلت ، ٔفأصبح بهذا مجرد رقم متحرك يكون مرة مطبوعاً على شهادة ميلاد ومرة على شهادة وفاة مروراً بجملة من المحطات التي يهدده فيها الصراع والضياع والعزلة .. وقلب
الشاعر هو الأسفنجة التي تمتص أحزان البشرية جمعاء ولذا دفعته مأساته المزدوجة إلى العزلة .. فانكفأ على نفسه متسائلاً عن علة وجوده وطبيعة عمله ومدى الحاجة إليه وحقيقة الدور الذي يناط به في هذه الحقبة من تاريخ الإنسان ) . الكتابة خارج الأقواس دراسات في الشعر والقصة ، سعيد مصلح السريحي . ص 18-19.
فحالة الألم عنده مزمنة وليس ترف فكري ، ناتجة عن الأصابة بمرض السرطان الذي ينهش جسده ويعتاش عليه .

السمُّ يجري في قلبي وفِي كبدي
كأنّهُ ماردٌ يجثو على جسدي. 
ممزقٌ بين أنيابٍ ومعضلةٍ
تجاهرتْ- بؤسها ترمي بلا عددِ
كأنني شجرٌ والكلُّ يحتطبُ
تريدُ من أضلعي ناراً لمبتردِ

"فاضل حاتم" يكتب نصوصه بإيقاعات مأساوية ، مشحونة بالوجع والمرارة ، حاملاً ذاته النازفة فيرسم ملامحها وهي مثقلة بالوجع الإنساني الذي يتغلغل في الأعماق المتشبعة برؤية الأحساس باللاجدوى . 

(الغربةُ تحاصرني، والخوف الذي ملأ نفسي ،منذ نزلت سياط الجلادين على ظهري، ترسم المعركة الدائرة بين الرفض والخنوع ، والجسد الذي ينهشه السرطان، وقلب أظناه الحزن و(الجلطات) ولدت قصائد، ووئدت أخرى، وكان الأمل هو الوحيد الناجي، من بين أنياب حربٍ طاحنةٍ ، أمتدت خمسين عاماً...وكان المنفى، سفينتي الوحيدة بين أمواج بحر ٍ عاتٍ..وليل ٍ داج ٍ، غارت نجومهُ، وطمست معالم الطرق في البر والبحر.وحين امتدّ الصمتُ يبتلعُ كل أصوات الشجر، والريح ، والعصافير ...) 
(فوحدك ِ منفاي وقصيدتي)

فهو يعاني من الوجع الوجودي في كونية هذا الوجود من خلال البحث عن أجابات على أسئلة وجودية في النظرة الى حقيقة الإنسان وواقعه ، وإحساسه بالوجع الإنساني ، فجاءت هذه النظرة بلغة رمزية في إطار صور شعرية .
لقد واجه الشاعر أنواعاً عديدة من الألم ، بأسباب مختلفة بعضها واقعية تصدر من واقع أجتماعي وسياسي . 

انا بخير
اكتب الشعر وأكل كما تأكلون
ولي طريقتي 
في معانقة الزهور 
وارتياد الحانات
والكفر بما لا أومن
أنا بخير
وطني يحترق 
وسلطة القبائل تمتد تشارك الله في حكمه

أما الألم الأصعب فهو العالم غير المرئي ، إنه الألم الوجودي الذي يصل به الى حالة عدم الجدوى من هذا العالم المليء بالمعاناة والآلام .

وأنا المنفي في وطني أصارع الخراب
والظلام والضجر 
يلتف كالافعى على جسدي 
يثقل صدري كأنه الحجر 
والليل داج كئيب 
يأن في الدروب والبيوت الفقيرة .

نحن نعرف أن ذات الإنسان وخاصة الشاعر عبارة عن مجموعة من الثنائيات الجدلية (الفرح والحزن/الألم واليأس/الألم واللذة/الموت والحياة) تشكل رؤيته للحياة والوجود ، وتنعكس هذه الرؤية بكل تناقضاتها على الأدب بمختلف أجناسه . والشعر المعاصر يعبر عن هذه الظاهرة بكل وضوح حتى صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون من قصائد .
وهناك من يرى أن (الحزن والألم) من العوامل التي تحرض على الإبداع (فالقصائد لا تولد من تحقيق ورضا وإنما تولد من الحزن والإخفاق والبحث الذي لا يُغني) أحمد عبد المعطي حجازي الشاعر المعاصر :د. مصطفى ناصف، ص90 . فالألم والحزن شكلا قاسماً مشتركاً عند الشعراء المعاصرين التي أتسمت أشعارهم بالنزعة التشاؤمية والألم و المعاناة ، من خلال (الإحساس بالتأزم النفسي ، والغوص في أعماق النفس الإنسانية ، وتفاقم النزعة الإنسانية المتحولة إلى شعور بالألم) . مع تباين دواعي هذا الألم والحزن من شاعر الى أخر بأختلاف شخصيته وتكوينه النفسي . وهما المثير الأقوى الذي ينضج شاعرية الشاعر ويحفز البوح المتراكم عنده . 

وأنا أستسقي السمَّ
ذكرتكِ
لم تك هناك رماح نواهلُ
ولا بريق السيوف
لكنهُ..
جفن الردى.. يترقبُ بدناءةٍ
أن أهوي في جبهِ المظلم 
وهو غير نائم

أستطاع الشاعر "فاضل حاتم" أن يترجم تجربته الإنسانية ، من خلال توظيف أدواته الفنية في التعبير عن أحزانه وألامه ، وأن يتعامل مع البنية الداخلية للنص ومضمونها . والتي جاءت بصور شعرية مجسدة لمشاعر الألم الذي يعانيه ، مما أسهم في البناء الدلالي والفني للنص .
إن التجربة القاسية ومرارة الظروف لا تعني أنه سقط في مستنقع اليأس، فتجربة"فاضل حاتم" مع السجن والتعذيب وألم المرض المزمن الذي يخوض معه صراع وجود .
نصفي ميتٌ..
ونصفي الآخرَ ينزف
وأنا مازلت
أتسكعُ على أرصفة خاوية

كذلك شكل الواقع المعاش في المجتمع بكل عذاباته جانب من هذا الألم ، فهو يحاول جاهداً حث الذات على عدم الأستسلام للمشاعر السلبية وعدم التخلى عن دوره الإنساني وأن يتحسس معاناة هذا الواقع ، ويتفاعل معه وجدانياً وإنسانياً ولا يعلن أستسلامه أمام حجم هذه الظروف ، بل نراه يجسد مشاعره ويعبر عن تجربته ، من خلال طاقاته الإبداعية ، وتعمقه في التعبير عن حجم هذا الألم الذي شكل أقوى المثيرات والمحرك الأساس في عملية الإبداع الشعري لديه .
الموت ظاهرة طبيعية ونهاية حتمية لكل حي ، هو الفاصل بين مراحل الحياة المختلفة . والشاعر "فاضل حاتم" يخوض جدلية وأشكالية (الحياة والموت) فيبقى الموت لديه هو الألم الأكبر الذى يزلزل أعماقه ، فيحمل في داخله هاجس البقاء وهاجس الموت وهاجس الألم من فقدان الحياة. 
ستأتي عما قريب
طيورٌ بلا أجنحةٍ
تلتقطُ رؤوسَ السنابلِ
في قريتي الصغيرة
ويشربُ النهرُ خوفَ الأَرْضِ
ساعةَ مغيب الشمسِ
ويصرخُ صوتُ زرقاء من زاوية العتمة
أتى التتارُ... أتى التتار
وتشحذُ سيوفُ القبيلة
ويدخلُ التتارُ
.... وحدهم الموتى يتسلون بالذكريات
ويضحكون حين تمرُّ بهم
جحافلُ التتار

(الموتى يتسلّون بالذكريات)

فنرى الشاعر يريد أن يحرر نفسه من أدلجة الاديان والأعراف في مواجهة الموت ، ليخلق حالة من التوهم بتجاوز الموت بحياة أخرى ، فنرى أن هذا التوهم هو مخدر لألم الموت . 

أن أموتَ جنبَ حانةٍ
أو في مقهىً، يعجُّ بالشعراء
خَيْرٌ لي..
من ألفِ غزوةٍ..
قبلية

يقول الفيلسوف ألالماني مارتن هيدجر (1976 /1889):(إن الكائن الموجود منذ أن يعي نفسه يصبح مرشحاً للموت وتبدأ حياته تنمو في ظل حداده.. وهذا ما يجعل الكائن البشري معدّاً للموت غائصاً في لجة اليأس يبحث عن معنى الحياة التي تصب في فجوة الموت المرعبة والمعتمة..) .

كــنّا مجموعةً من الموتى
مضى على أولنا عام ونصف العام
وعلى الآخر نصف عام
وأنا مازلتُ، أسمعُ قهقهة الأخوان على المغتسل
وكفني جديد...
لم تكن هناك مقهى، في مدينة الموتى
ولا شوارع مزدحمةٌ بالأسواق

(مجموعة ذاكرة الثلج)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك