قراءة في نص // معابد الصمت // للأستاذ مازن جميل مناف// بقلم الأستاذ // حسين عجيل الساعدي

. . ليست هناك تعليقات:

قراءة في نص (معابد الصمت)
للشاعر "مازن جميل المناف"
بقلم/حسين عجيل الساعدي

(حينما يكتمل وعي الإنسان وإدراكه للحياة، إما أن يعيش في الصمت الى الأبد، أو أن يصبح ثائراً في وجه كل شيء !!)
الروائي الروسي دستويفسكي

النص//
(معابد الصمت)
عند أبواب القيامة يشنقون اسئلتي
على مشيئةِ الأخطاء
هناااااااااك ...!!
نحو منحدرات الليل
ونمنمات الفضائح
تهرول اوجاع الرب باتجاهي
تصفعني الملامات قبل أن انتزع الخطايا
ايها الصراخ المقيد ..!!
باصداء الفتن وقبضة الظلم
واكتظاظ حواراتنا المتقطعة
اعانق وجعي حد اللعنة
واراقب تأوهات ظنوني
نحو لهاث الاشتهاء
فأنا لا أرغب العطور و زغزغة العصافير
ولا الفرح الملفوف بجدائل أمي
كل شيء اضناه صخب الآهات
فأنا حيادي مثل قلاع المدن القديمة
متطفل كعشب بري
انشد الموت واقفا
اعري تلك المقاييس التي توارت بالحزن
مع ذلك الشجن المتحجر
عبر زنزانة الوقت
وعلى أرصفةِ المعدومين
ومسالخ الفكر
وفرق الاعدامات
ومذابح المواعيد الزائفة
وكركرة الحروب
وفوضى البنفسج
وحواف الخوذ المثقوبة برصاص الغدر وتلك المودة الشاردة
نحو جنون يلاحق ضربات قلبي
في غربة معتوهة
أتبع ذلك العويل والنحيب المكتظ بالضياع لا شيء غير وشم في خرائط الموت
يشوه اجسادنا في عري
اجتاح مصافحة الوجع
في ثقوب الغياب
بكف الأسئلة تصفع صبري المتعثر
في محض صدفة يلتقط انفاسي
القابعة في حوانيت الخطايا
على مذابح واصفرار ابتسامتي الوحيدة ونكبات طفولتي
اعيد أشرطة الدهشة بانعطافات افراحي في بوتقة الألم
مركونة على كراسي الاعتراف
ومشاعر التستر في تعابير الزهو
وملامح القلق
على مضض من نظراتي العدائية
هناااااك ....!!!!
اجالس لحظاتي الحرجة
في معابد صمتي
وصناديق الوقت

مقدمة//
يمكن أن نعد الفلسفة الوجودية أقرب الفلسفات إلى الأدب، لأنها وجدت فيه الوسيلة في كشف أزمة الإنسان وتحليل واقعه وما يحيط به من التحديات. لقد كان معظم الفلاسفة الوجوديين أدباء عرضوا أفكارهم من خلال إبداعاتهم الأدبية، فعدوها مذهباً من المذاهب الأدبية، تبلور في منتصف القرن العشرين، ودعي بالأدب الوجودي، وكان من أبرز أدبائه (جان بول سارتر، وألبير كامو، وسيمون دي بوفوار)، لأن الأدب من وجهتهم أنعكاساً وجودياً لكينونة الإنسان، ثم تسربت هذه الفلسفة إلى جذور الأدب العربي الحديث، وكان الكثير من الأدباء والشعراء العرب تأثروا بالنهج الوجودي في رسم رؤيتهم، حين جعلوا الإنسان محور أشعارهم، فعُد الشعر الوجودي العربي نوعاً من الحداثة الفكرية في الشعر العربي الحديث، وكان أشهر رواد هذا الشعر من العرب، أدونيس، أنسي الحاج، بدر شاكر السياب، محمود درويش، نزار قباني، عبد الوهاب البياتي وغيرهم.
إذاً هناك ترابط قائم بين الفلسفة الوجودية من جهة والأدب والشعر من جهة أخرى وكلاهما يعبران عن كينونة الإنسان، وهذا ما أكده الفيلسوف الوجودي الألماني "مارتن هايدغر" بقولته (الشعر أساس الكينونة، والشاعر هو راعي الوجود، واللغة هي بيت الكينونة حيث في حماها يسكن الإنسان، والمفكرون والشعراء هم من يسهرون على هذا الملاذ).
القراءة//
الشعر هو تعبير عن نوازع النفس، وأستجابة أنفعالية في تصوير الواقع، وأثارت دهشة المتلقي. ويرى الأديب المصري "عبدالغفار المكاوي" أن الشعر الحديث هاجس حداثي وإنه (نوع من التوتر، يميل إلى القلق والإضطراب، أكثر مما يميل إلى الراحة والتجانس والإطمئنان)، "حسن علي ابراهيم، تجليات الشعور في الشعر العربي،ص 70". وفي قراءتنا لنص للشاعر "مازن جميل المناف" سنقف إزاء شاعر إشكالي، يقف أمام نفسه منفعلاً بعالمه، ذا رؤیة تأملیة قائمة على الأحتجاج والتمرد، عاكساً حالة شعوریة في نفسه المتوترة الرافضة لهذا الواقع.
نبدء بسرد الحديث عن النص من خلال العلاقة القائمة بين العنوان والنص، فهي علاقة تفاعلية. لقد أعطى‭ ‬الشاعر‭ ‬قيمة للعنوان لبيان عما يكون عليه النص، وما يمنحه من حضور عند القارئ، فهو مفتاح تأويلي للنص كما يقول "امبرتو ايكو" حتى يستعين به القارئ للولوج إلى أعماق النص لأستنطاقه وتأويله، وأستيعاب‭ ‬أبعاده.
فقد برع الشاعر "مازن جميل المناف" ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬العتبة‭ ‬الأولى‭ ‬لنصه‭ ‬الشعري، ‬فكان‭ ‬العنوان‭ ‬مركزاً ‬دلالياً، ‬تميز‭ ‬بأعلى‭ ‬أقتصاد‭ ‬لغوي، وترجمة لرؤية ‬ما يتضمنه النص. فقد وضع الشاعر عنوان النص (معابد الصمت) بين مفهومين هما، (المعبد) بمفهومه الديني، و(الصمت) بمفهومه الفلسفي والنفسي والأجتماعي.
الرمزية في عنوان النص كأداة للتعبير عن الدلالة المخفية في بواطن النص، بوصفه (وليد رؤيا شفافة حدسية تضيء النص بلمعات خاطفة خلف الدلالات التي تتموضع في التجربة الشاعرة المنطوية على نفسها وراء تقنيات الرمز والتشفير).
ومن أجل تفكيك هذه الأشكالية في وضع العنوان، لابد أن نتناول المفهومين كلاً على جانب.
"المعبد" جمع معابد، كمفهوم ديني، مكان يتعبد فيه الإنسان، وهو الرابطة بين الإنسان والإله، وله مسمياته المتعددة والمختلفة في الديانات السماوية والوضعية، ولكن تسمية (المعبد) هو الأسم الشائع لأماكن العبادة في جميع المدونات الدينية، وعليه لا ينبغي أن نبحث عن رمزيته في النص كمكان عبادة وخشوع وهدوء وسكينة وتقرب إلى الآله، لأن هذا الوصف لا ينسجم مع فوضوية الواقع، فالشاعر في النص يعبر عن وعي عميق في أستحضار المعبد في لغة النص ك(تناص) عبر دلالات يلتقطها القارئ، وبما أن اللغة الشعرية لا يمكن حصرها بمفهوم معين أو دلالة واحدة، فيمكن فهم المعبد على أكثر من دلالة، فالشاعر تحرر في النص من رمزية قدسية المعبد الديني، ليجد نفسه أمام قدسية من نوع أخر، من خلال تأويل وتفكيك دلالي للرمز الوارد في النص والعنوان وقراءة ما وراء المعنى، وهذه القدسية هي (صمت) المعبد النفسي ومعبد عبودية السلطة ومعبد أوجاعه وهويته المفقودة، فهي معابد تحيق بالإنسان من كل جانب.
(اجالس لحظاتي الحرجة
في معابد صمتي)
ما هو الصمت؟ وكيف يمكن تفكيك لغة الصمت في العنونة؟
اختار الشاعر الصمت عنواناً لنصه، ليكتب صمته الذي هو (صراخ مقيد) عن المسكوت عنه.
(الصراخ المقيد ..!!
باصداء الفتن وقبضة الظلم)
الصمت كلام ولكنه صمتاً يضج بالكلام، لأن (كل صمت نحياه ما هو إلا صمت يضج بالكلام). فالصمت في عنوان النص صمتاً مقدساً، لأنه مرتبطاً (بمعابد الصمت)، فهو (تهدئة العقل)، ولكن الشاعر لا يستهويه عالم الصمت وسكونه، فهو يحطم قدسية الصمت ويعيد الأعتبار للضجيج، بعد أن حمل النص صمت المتأملين في المعابد، الذي هو (عن سطور تئن بلا أنين، وتصرخ بلا آه).
إن نص الشاعر "مازن جميل المناف"
(معابد الصمت) نصاً فيه الكثير من المعاني التي يمكن العثور عليها في الأدب الوجودي المتعلق بالإنسان، وكأن النص إجابة عن مجموعة من التساؤلات التي تحاصر الإنسان، فهو نصاً أنفعالياً، أمتاز بعمقه ومضمونه وتساؤلاته، حاملاً للنزعة الإنسانیة، يستند في صياغة أفكاره، إلى الشعر الوجودي.
وفي هذه القراءة نحاول فهم النص وتحليله وفتح مغاليقه وأستقرائه من عدة زوايا نقدية متباينة، وفق منظور ما تحدده الرؤية الوجودية لواقع هش ومتآكل يعيشه مجتمع غارق في عالم مشبع بالفوضى واللامعقولية بسبب حالة الأنهيار الشامل الذي شهدها، ونتيجة حتمية لما آلت اليه الأحداث التي مرت به.
النص يعكس نضج وثقافة ووعي وأحساس الشاعر العميق، نصاً ذا بُعد فلسفي، لإنه ينتمي إلى قضايا الإنسان، من خلال مفرداته المثقلة بالحزن، والقلق، والضیاع، والأسى، التي حضرت بقوة في ثنايا النص شكلاً ومضموناً، عاكساً عمق الحالة الشعوریة في داخل الشاعر، كاشفاً عن البعد الفلسفي الذي ينطوي عليه الشعر المعاصر، فالنص يحمل في طياته تأثر الشاعر بأفكار فلسفية تنطوي على عبثية الوجود الإنساني.
ابتدأ الشاعر النص بيوم (القيامة) كدلالة معنوية، ومكانية حين تشنق فيه أسئلته المحرمة، فجاء منسجم مع دلالته في النص. كذلك نلاحظ التنوع والأنتقالات داخل النص وهي تعكس صور الحزن، والقلق، والضیاع من خلال أستخدام الشاعر الجمل القصيرة المكتنزة بطاقة تعبيرية وأنفعالية عالية، مستحضراً مقولة الصوفي "النفري" البليغة (كلَّما اتَّسعتْ الرُّؤية ضاقتْ العبارةُ) التي تتسم بالتكثيف اللغوي الذي ينعكس في النص، فيجسد أنفعالات ورؤية الشاعر الإنسانية، فيرى -الشاعر- العالم، سوداوي مملوء بالآلام والأحزان والقلق الوجودي والعبث والتشاؤم والأغتراب الوجودي واللاجدوى إلى أخر هذه المفاهيم السوداوية التي تخيم على أجواء الواقع، فالشاعر حين يختزل بين سطور نصه هذه المفاهيم، فله فلسفته الخاصة، فهو جريء في طرح الأسئلة الكبيرة التي تنطلق من الذات التي تضع القارئ أمام تأمل دقيق للنص، يعبر عن خلجات نفسه بشاعرية، تجسد رؤيته وإحساسه بالأغتراب الكوني، فيولد عنده إحساساً باللاجدوى.
لقد استطاع الشاعر أن يعبر عن الواقع عبر أكثر من (ثيمة) وظفها في النص، يكشف فيها عن حالة التردي التي وصل اليها المجتمع، فهو يطرح معضلات فلسفية من خلال (الثيمات) التي يجسدها في نصه الدل على عمق الحزن والألم المخزون في نفسه، والمليئ بمعاني، القلق والعبث والأغتراب والحياة والموت، التي تعد من مقومات الفلسفة الوجودیة في فهم النص الشعري، فالشاعر في نصه يروي حكاية وجودية، فالبعد السوداوي والإحباط النفسي والصور القاتمة في النص جسدت واقع الشاعر.

ثيمة الخطايا/
(تصفعني الملامات قبل أن انتزع الخطايا)،(في محض صدفة يلتقط انفاسي، القابعة في حوانيت الخطايا).

ثيمة الوجع والألم/
(اجتاح مصافحة الوجع)،(اعانق وجعي حد اللعنة)،(تهرول اوجاع الرب باتجاهي)،(افراحي في بوتقة الألم).

ثيمة الموت/
(انشد الموت واقفا)،(على أرصفةِ المعدومين)،(فرق الاعدامات)،(مذابح المواعيد الزائفة)،(لا شيء غير وشم في خرائط الموت يشوه اجسادنا)،(مسالخ الفكر)،(كركرة الحروب)،(وحواف الخوذ المثقوبة برصاص الغدر).

ثيمة تأوهات والآهات ولهاث/
(اراقب تأوهات ظنوني)،(نحو لهاث الاشتهاء)،(كل شيء اضناه صخب الآهات).

ثيمة الاغتراب والضياع والقلق والحزن/
(ملامح القلق)،(في غربة معتوهة)،(المكتظ بالضياع)،(اعري تلك المقاييس التي توارت بالحزن).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني

أهلاً وسهلاً بك أنت الزائر رقم

النصوص الأكثر قراءة اليوم

اخر المشاركات على موقعنا

بائعة البخور // بفلم الكاتبة // مها حيدر

بحث هذه المدونة الإلكترونية


مجلة نوافير للثقافة والآداب 📰 صاحب الإمتياز الاستاذ الشاعر والكاتب الأديب علاء الدين الحمداني شاعر وأديب / عضو اتحاد الصحفيين/ عضو وكالة انباء ابابيل الدولية/نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة قلم

أحدث التعليقات

Translate

تابعنا على فيسبوك

من نحن

نـــوافــير للآداب والثــقافة ... مجلة عراقية عربية 📰 رئيس مجلس الأدارة الاستاذ الشاعر علاء الدين الحمداني
جميع الحقوق محفوظة لدى مجلة نوافير الإليكترونية ©2018

تنوية

المواضيع والتعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة المـجلة ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك