...................................
بقلم / الروائي و الناقد / حسن الموسوي/ العراق
يحاول الروائي شوقي كريم حسن من خلال روايته سيبندية و الصادرة عن دار الصحيفة العربية في بغداد و دار العراب في دمشق و المتكونة من 218 صفحة و من القطع المتوسط ان يكسر حاجز الخوف و ان يقتحم عوالم كان الحديث عنها من التابوات .
اختلف النقاد في تفسير مصطلح المسكوت عنه و هو على العموم مصطلح لتحليل الخطاب و يطلق عليه أحيانا بالمضمر .
يمتاز الروائي شوقي كريم حسن بدقة اختياره لعناوين رواياته و غالبا ما تكون هذه العناوين غريبة و مميزة و في هذه الرواية نجد أن العنوان هو سيبندية و هي جمع لكلمة سيبندي وهو الرجل المحتال و سيء الأخلاق و تتكون هذه الكلمة من مقطعين الأول{ سي } و تعني ثلاثة و الثاني { بند } و تعني حبل و بالمجمل فانها تعني الحبال الثلاثة و بذلك يكون المعنى العام هو الرجل الذي يتلاعب بالحبال و في هذا دلالة على المراوغة و الاحتيال .
يعتبر العنوان العتبة النصية الأولى التي من خلالها نستطيع أن نلج إلى المتن السردي .
يرى جيرار جينيت أن العنوان يعبر عن ماهية النص و قد حدد ما أصطلح على تسميته بالمتعاليات النصية و هي{ كل ما يجعل نصا يتعالق مع نصوص أخرى بطريقة مباشرة أو ضمنية }
و من الأمور المهمة التي تشد القارئ و تدعوه للإبحار في المتن السردي هو اختيار العناوين الحساسة و الحرجة و الغريبة ، لذلك يعمد كثير من الكتاب إلى اختيار عناوين غريبة من أجل إضفاء المتعة إلى منجزهم الأدبي و ترك بصمتهم المميزة و جعل القارئ مشاركا في فك شفرة العنوان .
العتبة النصية الثانية هو الغلاف و تمثل صورة الغلاف وجه داخل وجه و الاثنان داخل قفص مما يوحي بصورة جلية إلى حالة القيد المفروض على التفكير و التابوات المفروضة على المجتمع ، و التابوات هي خطوط حمراء لا يمكن لأي مفكر أو منظر من تجاوزها .
المقدمة هي العتبة النصية الثالثة حيث يطلق الروائي حكمة لتكون البوابة التي من خلالها نلج إلى أجواء الروائي الساحرة حيث يقول { ذات حكاية سمعت حكينا خبر الدنيا و خفاياها يقول ، محال تغطية الحقيقة بغربال و هذا ضرب من ضروب الخيال } ص 6
و من هذه الإشارة نستطيع أن نتبين فكرة الروائي ككل من أن الحقيقة واضحة و ضوح الشمس في كبد السماء
فصول الرواية هي العتبة النصية الرابعة و قد كتبت هذه الفصول العشرة بطريقة الأبجديات فلكل فصل أبجدية خاصة به قسمها الروائي وفق رؤيته .
في بداية كل أبجدية { فصل } نجد أن الكاتب قد كتب حكمة ، ففي أبجدية القحط كتب { من وصايا العارفين ، لا تترك خطاك تقود كلك إلى مرابع التفاهات } ص34
يتحدث الروائي عن فترة زمنية معينة ، تلك الفترة التي تلت سقوط حكم الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم و الأفعال القاسية التي طالت أبناء العراق من قبل الحرس القومي ، حيث يقول الكاتب { كانت منذ أيام تنصت إلى بشائع ما يقوم به هؤلاء بملابسهم العسكرية الفضفاضة و اشاراتهم الخضر الموسومة بحرفين غريبين ، ح ، ق } ص 22 .
و من الجدير بالذكر فإن ميليشيات الحرس القومي قد ظهرت بتاريخ 1963/2/8 و هو اليوم الذي انقلب فيه حزب البعث على عبد الكريم قاسم و قد تم رعاية هذه المجموعة المسلحة من قبل السلطة الحاكمة لأجل أن تكون أداة بيد السلطة لقمع الشعب و بالتالي ديمومة بقاء الحاكم .
استمر بقاء الحرس القومي تسعة أشهر و عشرة أيام ، فبعد انقلاب عبد السلام عارف في يوم 1963/11/18 تم القضاء على الحرس القومي.
محور الصراع في هذه الرواية هو احتفاظ عبد الكريم سامي و الذي سمي على اسم الزعيم عبد الكريم قاسم بصندوق قديم كانت جدته الراحلة قد اودعته عنده ، و ما عاناه عبد الكريم سامي من هذه الأمانة كون أن والده لا يريد بقاء الصندوق في بيته كونه نذير شؤوم حسب قوله ، و هنا المهمة الأصعب ألا و هي الحفاظ على أرث الأجداد .
و نجد في الصندوق رمزية عالية تتمثل بالمحافظة على المبادئ و المعتقدات التي زرعتها الجدة في حفيدها .
الصراع بين القوميين من أنصار جمال عبد الناصر و الشيوعيين من أنصار عبد الكريم قاسم قد وصل إلى داخل العائلة الواحدة حيث يقول الكاتب{ _ آخ لو أعرف سر كرهك لناصر ، _ و آه لو أعرف بالذي فعله لتعشقوه كل هذا العشق ، ما الذي قدمه لكم غير رشاشات يقتل بعضكم البعض برصاصها } ص 54
و الرواية فن زمني بامتياز و هو من العناصر المهمة في كتابة أي رواية ، ومن خلال سرد الكاتب للأحداث يستطيع القارئ أن يتصور كل شيء عن تلك الفترة الزمنية حتى و ان كان لم يعيشها بالأصل .
الرواية مكانية أيضا، ان الهوية المكانية تعد من العلامات الفارقة و سمة أساسية لنجاح أي مشروع لكتابة رواية ناجحة و من دون الهوية المكانية تفقد الرواية ركنها الأساس .
كتب الروائي شوقي كريم حسن في نهاية الرواية العبارة التالية { الحكاية لم تنته و ربما سأجد طريقة للبحث في خفاياها مرة ثانية } ص 214 ، و هنا إشارة إلى نية الكاتب للغوص مرة أخرى في تناول ثيمة المسكوت عنه
نجدفي نهاية الرواية كلمة للروائي عبد الرضا الحميد بحق الروائي شوقي كريم حسن و هي شهادة مجروحة كونهما صديقين حميمين ، يقول الحميد { شوقي كريم حسن نبر شكسبيري عال ، مغايرة جويسية مختلفة ، عكازة لغة متمردة على نظامها و صيرورتها في فضاء متلبس ، و بيده منشة ، ينش بها عنه ذباب التشابه و طنين الارتهان إلى التماثل } ص 218
كتبت هذه الكلمة بأسلوب الانزياح عكست المرحلة المتقدمة التي وصل اليها الروائي شوقي كريم حسن في عالم الكتابة .
نجد في هذه الرواية عبارة خطيرة جدا كتبها الروائي على عجل حيث قال { ما كانت الملكية لتسقط لولا صمت الانكليز و تلويحهم لقاسم و ضباطه بالرضا و القبول } ص 82 .
و في هذه العبارة إشارة على ما تردد بأن سقوط الملكية في العراق على يد عبد الكريم قاسم نتيجة عدم رضا الانكليز على الاتحاد الهاشمي الذي نشأ بين العراق و الأردن و ان الانكليز قد انتقموا من الملك فيصل الثاني لإقدامه على اعلان الاتحاد الهاشمي .
الرواية تاريخية بامتياز و قد مازج فيها الكاتب بين الواقع و الخيال من خلال شخصيات روايته ، و قد استطاع الروائي من خلال هذه الرواية أن يوثق بأدق التفاصيل ما حصل في العراق خلال فترة زمنية قصيرة { سبعة أشهر و عشرة أيام } تلك الفترة التي شهدت ظهور الحرس القومي و ما فعله من ويلات بحق العوائل العراقية الآمنة بدافع الانتقام ، الانتقام من كل من يخالفهم في الفكر و المعتقد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق