لا ننكر أن السردية وسم العصر، حيث أصبحت الرواية شكلها البارز في جميع أصقاع العالم، فقلما نسمع بشاعر نال جائزة "بولي" في العقود الأخيرة، فكان التهافت على الكتابة الروائية بإخراج فني وسردي مضطرب، وفاشل علامة فارقة في يومياتنا ؛واعتقد الروائي أنه أحسن مقام من الشاعر،مما خلق عقدة لدى بعض الشعراء، فتحولوا بقدرة قادر إلى كتاب الرواية، فحلف بعضهم النجاح التجاري والثناء النقدي، وخاب بعضهم؛ لأنهم ولدوا شعراء ،وباقون على عهد الشعر مكرهين.
للخروج من أزمة سطوة الرواية على الساحة الأدبية كسردية رائدة بلا منازع، احتفت الكتابة الرواية بعصر الانفتاح على جميع الخطابات، فتقاطع الروائي بالشعري تارة ،والمسرحي تارة أخرى،واحتضت الأشكال المعرفية والفلسفية بشكل مباشر؛فكان التجريب في كيميائية الرواية في تمدد، حتى فقدت الرواية المعاصرة هوية الحكي ومتعة الحكاية.
راحت الأقلام الجديدة التي استسهلت النمط الروائي إلى العبث في مكوناته الجمالية ومكنوناته الرئيسة، حيث توسم بالسيري ذاتي، حتى أصبح الفضاء الروائي حقل تجارب وبوحيات وبكائيات وشطحات رومانسية لا تصنع الحدث المشوق.
بقي الشعر يناطح الأوهام، بعد أن فقد الإنسان الأذن الشعرية، في ظل غياب التربية السمعية، وشيوع المرئي كبديل حتمي للسمعي والكتابي؛فتراجع رواد الشعر ليصبحوا أقلية تصارع الفناء الشعري،وإن حل فهو موت الإنسان جسدا وروحا.
على الرغم من انتماء القصة القصيرة للسردية المنتشية في بورصة المتلقي، فإنها لم تحظ بالمرتبة التي نالتها الرواية؛فتأسست حيلة فنية بأن ألحقت نفسها بمصطلح "الرواية القصيرة"،وهي مجرد قصة قصيرة!
في استمرارية التجريب الروائي وكيميائية سردها ستختفي الرواية التي نعرفها، وبالمقابل يستمر جنس الرواية في ثوب جديد لا عهد لنا به؛ والسؤال هل ستصمد بقايا الرواية أمام زحف المرئيات بانتكاسة الكتابة في عالم الرقمنة؟ !!(مصطفى ولديوسف )

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق