الجزء الأول / ليلى المرّاني
هي..
جلست إلى مكتبها الصغير، وضعت رأسها بين يديها محاولةً ( استحلاب ) جملٍ تكتبها له دون أن تخدش مشاعره، كتبت:
" أين أنت يا.. هل أقول حبيبي أم زوجي العزيز، فأنت كلاهما معًا.. كنتَ نسمةً منعشة حرّكت ما استكان من مشاعري بعد تجارب فاشلة، وكنت ملجئي حين عصفت بي ريح اليأس والقنوط، واليد الحانية التي مسحت دموع الاندحار والانكسار.. وضعتُ رأسي على كتفك وأنا مطمئنة بأنك ستكون مرفئي ومرساي.. وكنت..
حملنا زورق صغير إلى جزيرة أحلامنا، وبنينا عشّا صغيرًا تضلّله أشجار وارفة من ﺍﻟﺤﺐ.. ولكن للأسف لم نستطع أن نزيّنه بطيرٍ صغير يعبث بهدوء البيت بتغريده.. وصبرت عليّ والسنين تمضي حثيثة، ولكن حبّك لم يفتر، وحنانك أصبح أكثر عمقًا ودفئا، للحدّ الذي أخذت أشعر فيه بتأنيب الضمير، وبأنني أحرمك من أجمل كلمة يتمنّاها أيّ زوج، " بابا "، خاصةً بعد أن أجرينا جميع الفحوصات، والتي أكّدت بأنني عاقر.
لم تألُ جهدًا حبيبي في التخفيف عنّي واحتواء نوبات البكاء والاكتئاب التي أخذت تصيبني. حين أفتح فمي وأقول، " حبيبي يجب أن.."، وقبل أن أكمل جملتي، تطبق على فمي بقبلةٍ طويلة.. تتلاحق أنفاسي، فأرتخي بين يديك مثل قطّة صغيرة خائفة، تنساب كلماتك دافئةً تستوطن قلبي، " أنت حبيبتي، وأنت أجمل نغمٍ في حياتي.. وأنت طفلتي المدلّلة.."
أنتشي، وأشدّ وسطي بشالٍ أحمر، وأرقص لك.. أرقص وأرقص حتى ينتابني الدوار، فأرتمي بين ذراعيك، ونذوب معًا في عناقٍ طويل.
ولكن يبدو أنك بدأت تفقد السيطرة على مشاعرك وخيبتك في زوجةٍ عشقتها بكلّ ما في العشق من عنفوانٍ وعمق، ولكنها خذلتك وخيّبت آمالك فيها، لم تستطع أن تهبك الحلم الذي يراودك ليل نهار، طفلٌ صغير يرطّب هذا الجفاف الذي أخذ يتسلّل إلى حياتنا، حتى كانت ( القشّة التي قصمت ظهر البعير ) حين صرخت يومًا في وجهي، وعلى غير عادتك، " اتركيني.. أريد أن أرتاح "
كنتُ ساعتها ملحاحة، أردت أن أشغلك و ( أتدلّع )! عليك كسابق عهدنا، وما دريتُ ساعتها بأنني أصبحت عبئًا عليك.. أخذت نوبات غضبك تزداد عنفًا يومًا بعد يوم، وما زاد الطين بلّة إنك أخذت تغيب عن البيت ساعات طويلة بعد الدوام، حتى بلغت حدّا لم أستطع تحمّله حين بدأت تنام أحيانًا خارج البيت.. وحين تعود، كلّ ما أفعله، أن انظر إليك بعتابٍ مستكين، فتصرخ في وجهي، " لماذا تسكتين؟ لماذا لا تعصفين بوجهي؟ "; فانسحب باستكانةٍ ذليلة إلى غرفتي، وأغرق وسادتي بدموعٍ صامتة.
تحوّلت حياتنا الهادئة إلى أمواجٍ عاتية من الغضب والصراخ بعد أن أخبرتني يومًا بأنك ستسافر، جفلت وسألتك، " إلى اين؟ " قلت، " لم احدّد بعد إلى أين "، ادركت حينها بأننا وصلنا إلى نهاية رحلتنا، وأنك وجدت رفيقة دربٍ جديدة تواصل معها المشوار.
وها أنا أقول لك يا من كنت وما تزال حبيبي، أنك في حلّ من هذا القيد الذي يخنقك.. الحياة ما تزال فاتحةً ذراعيها أمامك، وهناك من تستطيع ان تحقّق لك الحلم الذي طال انتظارك له، أريد أن أحافظ على ما تبقّى من كرامتي، وأريدك أن تعيش الحياة التي تطمح لها، لن الومك، ولن أحقد عليك، اريد فقط ان احتفظ بصورة الرجل الهادىء، الحنون الذي أحببته ولن يحتلّ غيره قلبي.."
وضعت الرسالة في ظرف كتبت عليه: " لك يا من أحببته بكلّ جوارحي.. وسأظلّ أحبّه .. "
دخلت مكتبه، وجدته منكبّا يكتب، عانقته بلطف، لم يرفع رأسه إليها، كانت الدموع تخضّب عينيه.. أسرعت إلى فراشها، دفنت راسها في وسادتها واستسلمت لبكاء صامت…
=========================
في انتظار رسالته إليها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق