"موفق محمد"
بقلم / حسين عجيل الساعدي
الذاكرة هي رصيد كل أمة، وكنزها الذي يجب الحفاظ عليه، فلا ينبغي أن نمارس الهدر في ذاكرتنا.
قبل وفاته تم تكريم الشاعر "محمود درويش" بإطلاق اسمه على أحد ميادين مدينة (رام الله)، فقال حينها: (ليس من المألوف أن يُكرَم الأحياء، فالموتى لا يحضرون حفل تأبينهم، وما استمعت إليه اليوم هو أفضل تأبين أود أن أسمعه فيما بعد). ومن الظواهر الشائعة في الأوساط الثقافية والعلمية، تكريم المبدعين، والاحتفاء بهم، بعد رحيلهم، وليس وهم أحياء، وهؤلاء لم يذكرهم ذاكر في تكريمهم وهم احياء، بل نراهم بعيدين عن الاضواء وهم احياء، يعاني البعض منهم الفاقة والمرض والعوز والتشرد والتهميش والإهمال وإنكار إنجازاتهم وهم على قيد الحياة.
إذاً ما فائدة التكريم وهم أموات؟ هل هو الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، أم هو تقليد سلكته الهيئات والمؤسسات الثقافية المعنية بتكريمهم وهم اموات؟.
هناك مجتمعات تقدم على تكريم مبدعيها أثناء حياتهم، على العكس ما يحدث في مجتمعاتنا العربية، لأننا امة تمجد الأموات على حساب الأحياء، وتحب أن تعيش الماضي وتهجر الحاضر والمستقبل. وصدق "جمال الدين الأفغاني" حين قال: (الأديب في الشرق يموت حياً، ويحيا ميتاً)، فبدلًا من أن يتم تكريم المبدع ويتسلم تكريمه بنفسه، هناك من يأتي من ذويه ليقطف ثمرة إبداعه، الذي تمنى أن يرى هذا التكريم وهو حي.
فالتكريم بعد وفاة المبدع لا قيمة له مقارنة بتكريمه وهو حي.
هل ننتظر الاحتفاء بمنجزات المبدع بعد وفاته لكي يكرم؟، فهذه غصة ومرارة يحملها المبدع في حياته، لإن تكريم الابداع يؤتي ثماره لو تجسد بشكل مبادرة وتعريف به وتقديمه للأجيال في حياته. لإن تكريم المبدع بعد وفاته تكريماً فاقداً للمعنى، فالتكريم ينبغي أن يكون في حياته وفي قمة عطائه، وأن يخلد بتماثيل ونصب تذكارية، أو أن يطلق أسمه على احد الشوارع أو الساحات، أو أن تضع صورته على طوابع البريد.
فالأمر أشبه بما قاله الشاعر "عَبيد بن الأبرص الأسدي":
لَأَعرِفَنَّكَ بَعدَ المَوتِ تَندُبُني
وَفي حَياتِيَ ما زَوَّدتَني زادي
نحن مع تمني الدكتور "عارف الساعدي" الذي حضر مراسيم رفع الستار عن تمثال الشاعر المبدع "موفق محمد" في مدينة الحلة حين قال (ان تُصاب جميع محافظاتنا بهذه العدوى الجميلة للمبادرة بنصب تماثيل للرموز المبدعة في كل محافظة وبشتى انواع الابداع).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق