قِصَّةٌ قَصِيرَةٌ بعنوان ( قَلَمٌ وَمِبْرَاةٌ )
يَدْخُلُ خَالدُ ابنُ العَاشرةِ رَبِيعًا للبيتِ نشيطًا مَمْلوءً بالطَّاقةِ وكَأنَّه لَمْ يَحرقْ أىَّ سُعْرٍ حَرارِىٍّ طُوالَ اليومِ ، جَائعًا مُتسائلاً عَنْ نَوعِ الغَدَاءِ ، ومَتَى سَيُقدَّمُ ، إلا أَنَّ أُمَّ خالدٍ تُدرِكُ إنَّ تِلكَ الحماسةَ لهَا حَدٌّ لتتوقُّفِ حِينَ تَطلبُ مِنْهُ أَنْ يَشْكُرَ فِيهَا مُدَبِّرَةَ المَنْزِلِ وقْتَ خِدْمَتِهَا لَهُ ، فَيَبْدَأُ الإدِّعَاءَ بِالوَهَنِ وارتفاعِ حَرَارَتِهِ خِدَاعًا ، وَسَطَ تَجَاهُلِ وصَبْرِ أُمِّهِ عَلَيهِ ، إلَى أَنْ قَرَّرَتْ أَنْ تَجَعَلَهُ يَرَى النَّاسَ بِعَينٍ غَيرِ تِلكَ التِي اُخِذَتْ عَنِ الخَادِمَاتِ بعينِ تَسَلُّطٍ طَبقيَّةِ المُجْتَمَعِ .فَقَالتْ لهُ : سَأَحْكِي لكَ حِكَايَةَ القلمِ والمِبْرَاةِ ، مَا رَأيُكَ ؟! قَفَزَ خَالدُ مُتَحَمِّسًا لإىِّ شَاغِلٍ لَهُ عَنْ شُكْرِهَا ، فَبدأتْ الأمُّ بِسَرْدِ حِكَايَتِهَا قَائِلَةً: كَانَ ياما كَانَ ، أَنَّ هُنَاكَ قَلَمًا ذَهَبِىَّ اللونِ ، جميلَ الرَّسْمِ والخطِّ ، زَاهِيًا بلونهِ البَرَّاقِ ، يَمْشِي مُخْتَالا فَخُورًا بِمَا يَتميَّزُ بِهِ عَنْ صَدِيقتِهِِ المِبْرَاةِ القصيرةِ السَّمِينةِ التي لاتَخُطُّ حَرْفًا ولا تَرْسُمُ رَسْمًا، وبَدَأَ القَلمُ ذاكَ يَرْسُمُ ويُلَوِّنُ ويَمْلأُ كُلَّ بَيَاضِ ورقةٍ يُصَادِفُهُ ،وهُوَ يَتَبَاهَى بعلوِ شَأنِهِ عَنْ صديقتِهِ ، وبَدَأَ يَشْعُرُ بِالوَهَنِ برسوماتِهِ وكتاباتِهِ ، ورَاحَتْ هيبتُه تَنطفِئُ تَدْرِيجيًا، ثُمَ فَكَّرَ ، لَعَل وَعَسَى أنْ تكونَ صديقتُه المِبْرَاةْ لدَيها حَلٌّ لتُساعِدَهُ فِي جَعْلِ طَرفَهُ حَادًّا كَالسَّابقِ ، فَسألَها: أيَّتُهَا المِبْرَاةُ السَّمِينَةُ .. هَلْ يُمْكنُكِ أَنْ تُسَاعِدِينِي عَلَى حَدِّ طَرفِي ، ومِنْهَا سيكونُ لكِ عَمَلٌ تَقُومِين بِه؟! ثُمَّ قََهْقََه بِاستهزاءٍ ، وكَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يطلبُ القلمُ من المِبْرَاةِ مُسَاعَدَتَهُ كَانَ طَلبُهُ لا يَخْلُو مِنَ التَّجْرِيحِ والإهَانَةِ ، والعَجِيبُ أَنَّ المِبْرَاةَ كانتْ تُقومُ بمُسَاعَدَتِهِ وهِيَ تَضْحَكُ وكأنَّهَا لا تَسْمَعُ كلمَةً مما قَالَهُ ، فَوَصَلَ بِهِ الحَالُ إلَى أَنَّهُ انْبَرى بِأكْملِه لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلا بِضْعُ سنتيمتراتٍ ، فَصَارَ أقْصَرَ من صديقتِهِ بأشواطٍ ، بَلْ ولَمْ يَعُدْ يُرِيدُهُ أَحَدٌ ، وفَقَدَ تلكَ السطوةَ بِالحضورِ والهَيبةِ ، ورَاحَ يَبْكِي ويَنْتَحِبُ لِمَا صَارَ إليهِ الحَالُ، ثُمَّ قَالتْ لَهُ المِبْرَاةُ ، لو أنَّكَ كُنتَ أَقَلَّ زَهْوًا وغُرورًا وكلامًا جَارِحًا لِى لكُنتَ داريتَ على طرفِكَ من الرسمِ والكتابةِ بلا معنَى وبلا سببٍ ، ولكُنتَ أطْوَلَ عُمْرًا.
٢٠١٨/١١/٣٠
هنـــد العميـــد/ العـــراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق