في نص الشاعر "ثامر الخفاجي"
(بانتظار غودو)
بقلم/ حسين عجيل الساعدي
بإنتظار غودو
[ ] الشعبُ ليسَ عليهِ
[ ] أنْ يُفيق
[ ] فما زالَ في جعبتهِ
[ ] نومٌ عميق
[ ] ليكونَ
[ ] بإنتظارِ غودو
[ ] يأتيه بما أودعهُ
[ ] في تلكَ الصناديق
[ ] لعلَّ فيها
[ ] بعضَ فتاتِ موائدِهم
[ ] فيلحسُ قصاعَها
[ ] ويستعدُّ ليومٍ جديد
[ ] يبيعُ فيه ما تبقىٰ
[ ] من أطرافِ أصابعهِ
[ ] ويهتفُ مخصياً
[ ] كالعبيد
[ ] يرمِّمُ فيه ما تبقىٰ
[ ] من دبرِ مليكهِ
[ ] بعدَ أنْ اعيتهُ الحيلةُ
[ ] أنْ يصبحَ إنساناً
[ ] يرفعَ يدَهُ إحتجاجاً
[ ] بوجهِ كلِّ جبارٍ عنيد
القراءة الفاحصة لنص الشاعر "ثامر الخفاجي" تظهر تعالقاً نصياً وتناصاً يتماهى مع مسرحية الكاتب الإيرلندي "صموئيل بكيت" (1906 ـ 1989) (في انتظار غودو)، الذي يعد من الأدباء العالميين الذين نالوا شهرة واسعة وأصبحت أعمالهم تراثاً عالمياً. ونص مسرحية "بكيت" (في انتظار غودو)، نص إشكالي، اثار جدلاً نقدياُ حول مغزاه ولغته وبنيته. وهيمنته على الكثير من النتاجات الأدبية والفنية. فهو ينفتح على تأويلات عديدة بسبب غموضه، ويمثل ترجمة للواقع الإنساني العبثي الفوضوي بعد الحرب العالمية الثانية.
المتأمل لنص الشاعر "ثامر الخفاجي" والقراءة المتعمقة له، تبين أمتصاص الشاعر لنص "بيكيت"، والمضامين الإنسانية التي بثها بين ثنايا
النص، وخصائصه الجمالية، وبنيته الشكلية، التي تمحورت حول صور شعرية مركبة. (الخفاجي) في نصه يستخدم لغة مختزلة، مع تكثيف صوري ومجازي، مفعم بالدلالة والإيحاء. فكان نقداً لاذعاً، وصورة لقضايا ومشكلات الإنسان العراقي المعاصر، من خلال نظرة تهكمية للواقع الذي يعيشه وما زال يعيشه بعد طول حروب متعددة الأشكال.
ليس مبالغة أن نتعرف على العنصر الديني في النص الشاعر "الخفاجي" والأستعارة الدينية التي تضمنها. لأن النص متصل بتصور فكري عقائدي مصاحب له، سمه ما شئت (غودو، المسيح، المهدي، بوذا)، وهو تأكيداُ لفكرة الخلاص الإنسانية. فـ(غودو) قدر كوني يتفاعل معه الإنسان. فهل أنتظار (غودو) هو أنتظار للمنقذ؟ قد يبدو التفسير الديني مقبولاً ومنطقياً، وفق ما تناولته جميع الأديان السماوية والوضعية. (الأسلامية، والمسيحية، واليهودية، والزرادشتية، والهندوسية، والبوذية).
ان القراءة النقدية للنص لا يعني أنها تقوم على أساس التلاقح النصي فحسب، وإنما تمتد إلى تناول ثيمة النص وفكرته الأساسية المهيمنة على مدار النص والتي تقوم على أساس فكرتي (الانتظار) و (غودو).
(الانتظار) ظاهرة إنسانية انثروبولوجية لها جذرها التاريخي، تناقلتها كافة الأديان والمعتقدات.
أن أبسط تعريف للانتظار هو (أن ينتظر الإنسان أمرا ما يتمنى حدوثه في المستقبل القريب)، وهذه سمة شكلت أنموذجاً مشتركاً بين المجتمعات البشرية.
الانتظار بحد ذاته عذاب، ومعاناة حقيقية للإنسان. وهو عند "بيكيت" مفتوح على اللا شيء، وهي ذات الفكرة التي تعتمدت عليها مسرحية "بيكيت" (في انتظار غودو).
ثيمة (الانتظار) التي أشتغل عليها الشاعر "الخفاجي"لها أبعاد متباينة بينه وبين "بيكيت".
انتظار (الخفاجي) انتظاراً ميتافيزيقياً،
وفق مباني عقائدية، أما (انتظار) (غودو) عند "بيكيت" يمثل عبثية الوجود وفوضوية الواقع. البعد الزمني للـ(الانتظار) متغير، انتظار "بكيت" له محدداته الزمنية، ينتهي حين يعتذر (غودو) عن الحضور، فلا جدوى من الانتظار، لإن فكرة العبث عند "بيكيت"، تكمن في عبثية الإنتظار، الباعث على القلق،
وشخوص مسرحيته معدمة مهمشة تنتظر من يغير حياتها نحو الأفضل، وهو انتظار من لا يأتي.
اما انتظار "الخفاجي" ليس له محددات زمنية، بل هو تراكم زمني، يحمل حزن عميق بعدم حدوث تغيير، يقترن ببعد الأمل وعدم اليأس، في تغيير الحال.
الثيمة الاخرى التي تعرض اليها النص
هي (غودو)، لقد احتوى النص على الكثير من الصور والمدلولات والرموز، التي يمكن ان تأخذ دور (غودو) المنقذ المخلص المنتظر، المعادل لفكرة الخلاص التي تشكل بنية الأديان، فـ(غودو) ايقونة النص وبنيته الأساسية، التي اشتغل الكثير من الكتّاب على هذه الثيمة وأبدعوا فيها نصوصاً مؤثرة.
فمن هو (غودو) الذي ينتظره الشاعر "الخفاجي" الذي ينقذ الشعب من حالة اليأس والإحباط والضياع؟، وهل هو ذاته عند "بيكيت"؟
(غودو) الشاعر "الخفاجي" يظهر عجزاً إنسانياً متمثلاً بفكرة حلم الظهور، وانتظار الخلاص الذى لا نعرف فى أية ساعة يجىء. مما ولد لديه إحساس بأن الوجود الإنساني يحركه اللامعنى من خلال امتزاج الحلم بالواقع. وبالرغم من الانتظار الطويل، يبقى الأمل قائماً عند الشاعر وهذا جوهر القضية.
أما (غودو) "بيكيت" فمن هو؟، عندما يُسأل عنه، نفسه لا يدري، فيقول: (لا أعرف من هو غودو؟. لا أعرف ما إذا كان موجوداً؟)، و(لو كان لدي علم لكنت قلت ذلك في المسرحية)، فيعتذر (غودو) "بيكيت" عن الحضور ويغلق باب الأمل.
نص تسوده النزعة السوداوية والسخرية اللا متناهية، معبر عن مكنونات وأرهاصات الإنسان في وجوده أو لا وجوده، الباحث عن الخلاص. والصبغة الرئيسية للنص الجمل القصيرة الذي أستعمل كجزء أصيل من بنية النص، وأستنطاق بعض الصور والعبارات فيه التي تخدم المعنى والمغزى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق