أبعد من الريح
بقلم علي محمد العبيدي
-------------------------
الريح ضمير غائب
يدبرها الوقت الأخرس
بإيقاع مرايا السماء
عصف يلاحق قسوة النهايات
نص ترابي .. بنكهة فراق
وربما يليق بولادة
أو صفير منكر
أو موسيقى ... تترقب فراشات زاهقة
أو موت قبلة
أو .. اندحار فارس بلا سيف
كان يافعاً .. يضج بالحب والحرب .. والسلام
على أطراف رقم معزول
عن إحصاءات عالم الطين
مجنون ..........
هل ستوثق موتك النائم في طفولة الحجر ؟
أم ستتقن لغة السحاب .. أو الطيف الليلي ..؟
هنا .. بالقرب من النبض القديم
وعربدة التفاح .. في فردوس غاضب
كان الموال
يتأرجح على غصن الأبدية
وعروس الليل .. فيروزة القصيد
هي الأخرى .. تتشرب الشباب عسلاً .. وأغنيات ملائكة
حليفة الوقت الهمجي
شرود جميل في كأس نبيذ
لا تعيد التصاوير .. والشباب
أو وصايا المحار واللؤلؤ الملكي
الى هيئاتها الاولى
فكرة مشردة
لأمير بلا ميراث
يتلو في حانات الليل
قصائد التشرد الأخضر
وأغنية يرددها سكارى الليل
أبعد من ملامح ميناء بعيد
أغنية تلبس ثوب أغنية أخرى
والقمر يلوك اصابع الليل
على أطراف رقم معزول عن المواويل
بأيقاع ضمير غائب
أبعد من الريح
................................
عندما تقرأ هذا النص لأول وهلة تترآى لك صور من الضياع وشتات الأفكار والنظرة السوداوية وتيه النفس وضياع الرؤيا المستقبلية ، ولكن عندما تقرأ النص بدقة وعمق وتتعايش مع مشاعر وأحاسيس الشاعر والسياحة معه في فضاء خياله ستتكشف لك خفايا الأفكار والصور الذهنية وما تؤول اليه مقاصد الشاعر .
وبالرغم من استخدام الشاعر لإسلوب التورية بشكل واضح واستخدامة للمعاني القريبة لكن كان مراده شئ بعيد رسمه في خياله لذلك كان يأخذ المتلقي إلى عالمه الخفي لكي يتعمق ويغوص باحثا عن غايات وأهداف الشاعر إلى أن يصل للمعنى من خلال التأمل والتروي في تحليل وفهم معاني كل مقطع من النص ، بالإضافة إلى استخدامه هذه المحسنات البديعة المرتبطة بعضها ببعض لفظيا أو غير مرتبطة.
مما جعل النص أكثر جمالا وأشد تذوقا في قراءته ويشد المتلقي عند قراءته فلا يتركه إلى أن يصل الى خاتمة النص لكي يستطلع كل ما قصده الشاعر من أفكار وبذلك يتبلور عنده تصور خيالي لما قصده الشاعر كل على حسب الطريقة التي فهم من خلالها مقاصد الشاعر
اختيارعنوان القصيدة أبعد من الريح أعطى الشاعر مساحة واسعة في التعبير عن الأفكار التي أراد أن يوضحها في النص ، كما وانه جاء متوافقا مع ما ورد في محتويات القصيدة ومراميها .
هنالك علاقة بين الشاعر والريح القادمة من مسافات شاسعة هذه العلاقة ربطت بين نفسه العاصفة التي يطير محلقة في الآفاق من غير جناح وهي لا تبالي برعد أو برق تريد أن تسمو وترتقي نحو العلا لذلك تحاول تذليل كل الموانع والصعاب ودائما ما تكون صفات هذه النفس الشجاعة والإباء والتلذذ وحب المغامرة من أجل الوصول إلى أسمى الغايات .
ربط الشاعر بين الريح وبين الوقت وأعطى لكل منهما صفة فهذا ضمير غائب والأخر أخرس ومن المعروف أن الوقت هو شئ محسوس لا ملموس أي أنه حالة معنوية غير ناطقة وعبر عنه بحالة عضوية معروفة ألا وهي الخرس ، وهنا قصد الشاعر حالة من الجمود في أحد جوانب الحياة في مكان ما ثم تلاها بقوله (بإيقاع مرايا السماء) فظهر لنا حالة تواصلية حقيقية بين ثلاثة أشياء مختلفة هي الريح والوقت والسماء وليس لها هيئة معينة وفي حالة من عدم الاستقرار.
وجعل الشاعر إيقاع مرايا السماء دليل وإشعار على هذه المتغيرات التي تحدث بالرغم من غياب الضمير وصمت الوقت لكن يأتي الإيقاع كدلالة شعورية محايدة تعبر عن امتزاج فكري استمده الشاعر من خياله وتصوره للحالات المحيطة به ، وكتعبير فكري عن ما يشعر به في محيطه الذي يعيش فيه وقد كانت كتابته لهذا النص وهو امتداد منطقي لتسلسل الصور التي رسمها الشاعر في مخيلته وربطها بالقيم الإنسانية التي يرغب الوصول اليها .
عصف يلاحق قسوة النهايات
نص ترابي .. بنكهة فراق
وربما يليق بولادة
أو صفير منكر
أو موسيقى ... تترقب فراشات زاهقة
أو موت قبلة
أو .. اندحار فارس بلا سيف
في هذه المقاطع يصور الشاعر حالة العصف التي تلاحق قسوة النهايات ، فقد حكم الشاعر على الموقف التي وردت في النص بأنها صعبة وتبرمة وسلبية منذ بدايته فالعواصف هي نذير كوارث وهلاك فتكون النهايات قاسية ومخيفة بلا شك . فكانت العبارة متماسكة في الاتصال والمعنى فحصلت حالة من الترابط الحسي والمعنوي وانفصلت عن ما بعدها إلا في تشابه الأحوال التي صورها الشاعر في مسار القصيدة .
(نص ترابي .. بنكهة فراق)
أما التراب ونكهة الفراق فكان الاتصال في مثل هذه الحالة جزئيا من جانب المعنى معنويا وتصوريا من جانب الإحساس والصورة الذهنية ، استطاع الشاعر أن يصور حالتين مفترقتين ويجمع بينهما بطريقة ذكية وتمكن من أن يجعل من هذين الموقفين المختلفين في الدلالة والمعنى صورة متداخلة تستحث الفكر لتخيلها والحصول على صورة متكاملة للحدث .
ثم تلاه بصور متعددة متصلة بمحور الموضوع في توضيح مسهب وتصوير فني جميل لأن الموقف على جانب من الأهمية التي تستدعي هذا التفصيل .
هل ستوثق موتك النائم في طفولة الحجر ؟
أم ستتقن لغة السحاب .. أو الطيف الليلي ..؟
في هذا المقطع تزداد وتيرة التورية البلاغية فيقف المتلقي أمام خيارات متعددة بين التصور الواقعي لتفسير النص وبين الصورة المتخيلة لمراد الشاعر . بين الثبات والجمود وبين التغير والتحول المستمر وعدم الاستقرار فقد جمع الشاعر عدة متناقضات في موقف واحد وجعل حلقة الوصل الجامعة بينهما من خلال أساليب الاستفهام التي استخدمها وفي نفس الوقت تستدعي اهتمام المتلقي لكي يحصل على إجابة شافية لكل التساؤلات التي تدور في ذهنه
ثم يستمر الشاعر برسم صور لأحداث متوالية بدلالات متعددة ترتفع معها وتيرة الروح الغاضبة وتنخفض في مواضع أخرى إلى أن يضع المتلقي أمام حقائق العقل والمنطق في استمرار هذه المسيرة التي ستمتد طويلا لذلك يصورها بطريقة فنية مفهومة وواضحة لا تخلو من استعارات بلاغية تعطي المقطع طابعا جماليا ترتاح له النفس بعد كل صور الشد والجذب التي جاء بها الشاعر في ثنايا النص ، فقال :
أغنية تلبس ثوب أغنية أخرى
والقمر يلوك اصابع الليل
الأساليب البلاغية التي استخدمها الشاعر كانت استجابة لموقف يستلزمها النص وجاءت بلا تكلف وتدل على تمكن الشاعر من صياغتها بطريقة ذكية وله القدرة على استخدمها في الأماكن التي يتطلب فيها النص ذلك .
أثار الشاعر فكر وذهن المتلقي ورسم الصور الذهنية للنص وفق تخيل فردي باستخدامه طريقة تسلسلية لتوضيح الأحداث والإنتقالات بين المعاني وطريقة الإتصال بين المقاطع تاما وجزئيا .
الأسلوب الرمزي الذي استخدمه الشاعر كان يوضفة بطريقة سهلة ومقبولة وسرعان ما يوضحه نفس المقطع أو في المقطع الذي يأتي بعده . لذلك كانت مقاصد الشاعر واضحة من الناحية الخيالية ومن ناحية التصوير الفني الذي أعطى بدورة مسحة جميلة للنص وساعد الشاعر في الوصول إلى غايته بطريقة سلسة ومقبولة .
علي محمد العبيدي 18 / 5 / 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق