في الكتابة استحضار للذاكرة، فهي حفرية من حفريات النص؛فالمبدع حتى لو قام بكتابة تمويهية،محدثا مسافة موضوعية بين نصه الروائي وعالمه الذاتي ،حيث مساحة الذاكرة المكشوفة وغير المكشوفة كبيرة،تتسع عموديا وأفقيا مع تقدم العمر،فإن حفرية الذات المنكسرة ،وأطياف الماضي الشخصي تتسلل بوعي منه أو بغير وعي إلى حيثات النص، في تشكيلات رمزية ودلالية غير مكتملة.
لا يمكن تأويل دلالة النصوص دون السند التعريفي الضروري للمبدع،والبيئة الاجتماعية والثقافية التي احتضنه؛ وهذا السند التعريفي يقوم على الهوية النفسية للكاتب، ومن ثمة يمكن تشريح النص كأثر نفسي واجتماعي وثقافي ووجودي، فهو مرتبط بالذات المبدعة.
لا يمكن تحييد الذات والبيئة لإدراك الدلالات المضمرة في كيان النص؛لأن الكتابة قائمة على الذاكرة اللغوية والخبراتية والخصوصية النفسية والوسط الطبيعي والاجتماعي؛ وكل الدراسات التي تزعم الإكتفاء بعالم النص لتفكيك كياناته مقاربات خاطئة.
إن النص الأدبي امتداد طبيعي لكيان صاحبه؛ قد يناور في توظيف آليات تمويهية، يغيب عن دائرة أحداثه، وهنا الفرق بين المبدع الحقيقي والمبدع الفاشل في إيهام القارئ بأن عالم نصه مستقل كليا عن عالمه، فإن الممارسة النقدية القائمة على عزله لم تعد مجدية.
لطالما انبهر النقد العربي المعاصر بالمناهج النسقية التي مع مرور الوقت تخلى أهلها عنها لعقمها؛ ومن ثمة ضرورة إعادة ترسيم الخريطة النقدية العربية،فالنص ذاكرة وتجربة وثقافة. (مصطفى ولديوسف )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق