اجول بعيني
شساعة الغابة القصية
قمم الجبال العالية النائية
نهارا ورديا
سكب ملامحه السرمدية
على روح تحلم بانتشاء
مثقل الروض
برائحة البنفسج
بدوري اجول هذه القصيدة ،التي جال فيها أشاعر تضاريس المكان ذي الاختلاف الجغرافي ،المتكامل الايقاع.
اجول بعيني
شساعة الغابة القصية
قمم الجبال العالية النائية
طبعا، لا مكان دون زمن ، فكلاهما يستدعي بالضرورة الاخر، حتى يكتمل التقاط المشهد :
نهارا ورديا
سكب ملامحه السرمدية
فثنائية الزمن و المكان لا اعتبار لها و لا قيمة ،بل لا وجود لها خارج وجود الانسان و احساسه ، ذلك ان الانسان هو المحور الذي عليه يدور سر الوجود ،فهو الذي يمنح كل ذرات الوجود قيمتها و كينونتها ، فلا حياة خارج دائرة الانسان .
على روح تحلم بانتشاء
مثقل الروض
برائحة البنفسج
بعد هذه القراءة الاجرائية المتأملة لجغرافية النص، أعود الى قراءة عمق سطح كل جزء، وكذا علاقته بباقي الاجزاء الاخرى المكونة لوحدة النص و تماسكه.
ففي المقطع الاول الخاص بالمكان نجد تداخل و حضور الزمن و روح الانا العميقة المتجاوزة للعين و جمالها الى الرؤية و ثرائها.
ان العين الفنية الجمالية ذات الرؤى الزاخرة بشتى الاوراق الندية ، لم يفتها تملي الغابة البعيدة ، و قمم الجبال المحاورة لنوافد الغمام:
اجول بعيني
شساعة الغابة القصية
قمم الجبال العالية النائية
ان هذا المقطع يجلو هدوء وجمال الغابة و الجبال و أثارهما على النفس البشرية /الشاعر، و تخلصها من ادران و ضوضاء المدينة ،مما اكسبها راحة و تأملا و استمتاعا لذيذا ، ينم عن الارتخاء و الرعشة و الاستمتاع المستحضر للعين و الرؤية و الاحساس الدافئ:
نهارا ورديا
سكب ملامحه السرمدية
إن هذا المقطع الثاني ، و الذي يشير الى الزمن لهو بمثابة الدرة في العقد، الذي صاغه شاعرنا ازاهير عطرة طرية هدية جولة غابة و جبال ،ود الشاعر لو يبقى هذا الجمال و الاحساس الوردي مدى الزمان .
تلك امنية الانسان/ الشاعر لسان الأنا الجمعي ، وهي أمنية قديمة وجدت مع ظهور الانسان ،الذي تبين ان وجوده على البسيطة جد محدود، مهما طال به العمر ، و حتى يمدد من ذكره و ذكراه لجأ الانسان الى النقش و الاساطير/ جلجاميش و المعمار ...
الى هذا الذي سبق ،يرمز المقطع الثالث الخاص بالروح و امنياتها العديدة و احلامها الكثيرة التي تريدها عطرة ومعمرة كزهرة البنفسج:
على روح تحلم بانتشاء
مثقل الروض
برائحة البنفسج
افضت قراءة هذا النص، الى كونه يعرف انسجام و تناغم الاجزاء، التي ارتأينا اجرائيتها لقرائتنا ،غير الغافلة بكون النص ترك مفتوح النوافذ ،مما سيتيح للنص قراءات تجدد هويته باستمرار ، و هذا امر ليس بغريب على نص يعي ارثه الشعري الكبير القديم منه و الحديث ،على حد سواء باعتباره ينشد لحظة الانا المختلفة المؤتلفة ،إضافة اخرى الى مسيرة الحلم الانساني ،المتجدد دوما ، رغم بعض عثرات الطريق .
في جرسه الخفيف و قاموسه الشعري الظليل ينساب النص كجدول هادئ ،يسقي عطش ذرات التيه .
يتميز هذا النص ببساطته وعمقه و نظرته الجمالية الفلسفية التي يستحيل اقتفاء ريحها.
محمد الكروي 18/08/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق