منذ القدم هناك ارتباط وثيق بين الأدب والطبيعة،فالمعروض الرومانسي يستنطقها، ويشخصها، أملا في التخفيف عن أوجاع الفراق والغور في الذات المنكسرة.
كانت الطبيعة ملاذا آمنا للنفوس الحائرة،والأذهان السائلة، فهي المادة الخام للخيال الجامح،الذي يصنع منها أروع الصور والأناشيد المبهرة؛ولكن هذه الطبيعة تعاني في صمت، حيث أضحت المدينة منافسة غير عادلة لها ،في مسعى السؤال الفلسفي؛فكان السرد بديلا للشعر كمسار الإنسان المديني.
تدهورت قيم الوجدان والصفاء الروحي، فتراجع الشعر مفسحا المجال للسرد المرادف للمدينة والمدنية الحديثة، فكانت سطوة الرواية على الكتابة علامته البارزة.
كان النقد الرومانسي ملازما للزخم الشعري قديما، ومع الطفرة العلمية وتشعب الحياة أصبح السرد مصاحبا للتحولات الاجتماعية والنفسية العميقة التي يشهدها المجتمع؛فكانت الطبيعة التي رافقت الشعراء مهددة في وجودها وكيانهاالعريق، نتيجة التلوث وحمق الإنسان المغرور بتقنياته؛ وعليه على الشعر أن يكون بجانبها كما كانت بجانبها في الأزمنة الغابرة، والسرد كذلك، ولذلك لابد من انبلاج كتابة عن تيمة البيئة كوعي بخطورة انزلاق الإنسان إلى التفكير في البديل الطبيعي له بخلق عالم مصطنع وافتراضي يغنيه عن الطبيعة توهما.
من النقد الرومانسي إلى النقد البيئي ذلكم مستقبل النقد؛فالوعي بضياع المحيط الحيوي للإنسان، في ظل الانقلاب المناخي واستنزاف الموارد الطبيعية، في سباق جنوني لقوى التقننة سيؤدي لا محالة لضياع الإنسان.
إن ضرورة اشتغال الأدباء على تيمة البيئة كتحد جديد لمستقبل الإنسانيةواجب أخلاقي وثقافي ؛فأرى حتمية الالتزام البيئي و الكتابة عن معضلات المدينة التي استقوت بالطبقة الوسطى،والطفرات العلمية التي غيبت الطبيعة في جدول اهتماماتها.
حاولت رومانسية المدينة أن تكون بديلة لرومانسية الطبيعة، لكنها فشلت، لأنها حاملة لرؤى مصطنعة وغير عفوية؛ ويبقى السؤال :هل هناك رغبة للمجتمع الإنساني إنقاذ الطبيعة المحتضرة لإنقاذ وجوده الوجداني والتنوع الطبيعي والثقافي ؟!!
يشتغل النقد البيئي على النصوص الواعية ثقافيا ووجدانيا بمصير الإنسان المديني، الذي فقد طبيعته الأصلية،وهو منهمك في صناعة رفاهية زائفة؛لأنه مأزوم، وفي حالة قلق مزمنة،يتحكم فيه زمن ربحي براغماتي. (مصطفى ولديوسف )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق