حضنت الشمس لتأتي ببعض النور...
انها إبداعية التحليل بكل صورها النفسية والحسية.. أحطت بشمولية واقتضاب وتركيز عالي لاجل توصيل ماهية نص ...
حين تمسك أناملك بحبر الأبجدية تمطر المعاني أجمل الغيث وأروع حبات الابداع ...إن الحرف يفخر حين يصبح شمسا في سواقيك
في حضرتك يخجل الياسمين .. وتنحني لك الجوريات الحمر .. وتصفق لك النجوم فرحا
تحياتي لمداد النور في الفكر الحر
دمت محللة متمكنة وأمينة.. الاستاذة الناقدة
سهير خالد البحراني
........ ............. ............ ............تشكيلُ اللغةِ وبناءِ الصورةِ الشعريةِ
في قصيدةِ صمتِ الشفاهِ للشاعرةِ الواعدةِ عطاءمحمد
سهير خالد البحرانيّ
* * * * * * * * * * *
أغلبَ النقادِ يلهثونَ وراءُ المشاهيرِ منْ الشعراءِ فقطْ ولا يدرسونَ مراحلُ التنامي أوْ يعالجونَ الظواهرُ الشعريةُ السائدةُ عندَ شعراءِ آخرينَ لهمْ قصائد تستحقْ القراءةِ لن يقفونْ عندَ قصائدهمْ
* * * *
( صمتٌ الشفاهُ ) . عنوانُ النصِ الشعريِ - - للشاعرةِ الواعدةِ عطاءَ محمدْ - - سبقَ وأنْ أصدرتْ باكورةَ أعمالها الشعريةِ ديوان ( مواقد ذاكرةٍ مقيمةٍ ) فبالصمتِ أوْ عبرَ بلاغةِ الصمتِ يكونُ لهُ في أغلبِ الأحيانِ تأثير كبيرٍ على المستمعِ أوْ القارئِ في اتخاذِ موقفٍ معينٍ . إنَ اختيارَ شفاهِ هنا هوَ الاحتمالُ ، مصدرٌ لما يمكنُ أنْ يحدثَ لما ينتظرُ حدوثهُ لونَ منْ الصمتِ الناطقِ أوْ الصمتِ الذي يوشكُ على النطقِ لننشغلَ نحنُ باحتمالاتِ القولِ يحضرُ الصمتُ في نصِ الشاعرةِ جزءا منْ منظومةٍ دلاليةٍ وجماليةٍ تتصلُ بالأنوثةِ وخصوصيتها منْ ناحيةِ وبالحالةِ الشعريةِ وسماتها منْ ناحيةٍ أخرى . وبدا لي أنَ منْ الصعبِ استيعابُ أحدِ هذينِ منْ دونِ الآخرَ فكل منهما يستمدُ حضورهُ منْ الآخرِ . مؤكدةً هيمنةَ الصمتِ على الشاعرةِ الصمتُ خيرَ منْ الكلامِ في إيصالِ الفكرةِ أوْ التعبيرِ عنْ المشاعرِ والأحاسيسِ
() أرتقُ لغةُ الصمتِ 000 برجفةِ شفاهِ لحظةِ الولهِ 000 أقضمها خوف أنَ تفضحتي 000 أسرقُ بعضا منْ ابتساماتِ اللحظةِ 000 أكيلها بصواعْ أيامي 000 أخبئها براحلةٍ القدرِ ))
فقدْ عمدتْ الشاعرةُ عطاءَ محمدْ إلى استخدامِ تقنيةِ الفضاءِ اللفظيِ التي تعدْ تقنيةٌ أسلوبيةٌ تتكئُ عليها الشاعرةُ لتبرزَ حالةً نفسيةً خاصةً بها وقدْ استدعتْ الشاعرةُ منْ سورةِ يوسفْ ألفاظا ووقائعَ هذهِ المشاهد الدراميةِ الحاملةِ للترقبِ والدهشةِ تدفعُ الشاعرةُ (عطاء محمد) في نصِ ( شفاهُ الصمتِ ) إلى بناءِ النصِ مفارقةَ الإحالةِ المعرفيةِ فتنفي التشابهَ بينها وبينَ امرأةِ العزيزِ وبينهُ ( المخاطبُ المفترضُ ) وبينَ يوسفْ جاعلةً الإغواءِ فعلاً معنويا منتميا لعالمِ الكتابةِ وليسَ لعالمِ الإغواءِ الأنثويِ كما هوَ في القصةِ الدينيةِ هذا التشكيلِ الجماليِ الذي حققتهُ الشاعرةُ في النصِ متأتٍ منْ ذلكَ التوظيفِ للفظةِ القرآنيةِ التي استدعتها الشاعرةُ جاعلةً منْ تلكَ اللفظةِ مركزَ الدلالةِ وأساسِ المعنى وعليهِ يتوقفُ فهمَ مقاصدِ الشاعرةِ وغاياتها والكشفِ عنْ مكنوناتِ نصها ووحدها الشاعرةَ زليخا التي كانتْ حاضرةً لذلكَ لمْ تغلقْ البابَ كما في القصةِ القرآنيةِ
((ارتمى كزليخة في أحضانِ العشقِ 000 واقدْ قميصِ الصبرِ 000 محاولةِ كبحِ مشاعرِ الروحِ 000 تنهال على تهمِ 000 ترديني قتيلة أمامَ محكمةِ الجبروتِ))
لصمتِ هذا النصِ المعنى ودلالةٍ في البعدينِ (الصوت والتدوين) لحالات الصمتِ المتعددةِ التي لمْ تغادرْ الشاعرةُ ولمْ يغادرها حيثُ هذهِ الأنا المتسائلةِ المتحيرةَ ترتدّ إلى وهمها محاولةَ التمسكِ بآخرَ خيط منْ ضوءٍ وعبثا تجدُ الإجابةُ لكنها تفاجئنا في المقطعِ الأخيرِ منْ هذا النصِ وتقفُ بنا عندَ منعطفٍ يتضاءلُ وجودهُ تدريجيا في الواقعِ
((مهلاً . . . إخوةُ الغدرِ ما هكذا تماهينا الوساوسَ . . . الغورُ . . . والذئبُ فاقَ تفكيرهما الشيطانُ براءةً منْ اللهِ))
وجاءَ هذا التناصِ الذكيِ مكثفا وموحيا ومرتبطا بالفكرةِ بفنيةٍ عاليةٍ وشعريةٍ راقيةٍ كلها إحساسُ فقدْ تناصتُ الشاعرةُ (عطاء محمد) فيهِ معَ النصِ القرآنيِ وعبأتهُ بما قالَ وبما حملَ وبما روى وبما أوحى وألبستهُ ثوبَ فكرتها بهدوءٍ وذكاءٍ وجمالٍ وموسيقا وشعريةً ((أضغاثُ أحلامٍ حينَ قالوا للملكِ : أضغاثُ أحلامٍ وما نحنُ بتأويلِ الأحلامِ بعارفينَ)) . وقدْ توكأتْ قصيدةَ الشاعرةِ على نتائجَ هذهِ العبارةِ وتركتْ للقارئِ أنْ يبنيَ ما يرى منْ نتائجِ مفتاحِ أضغاثِ أحلامٍ بعدَ أنْ أمنتْ بدورِ القصيدةِ وقيمتها وقدرتها على التغييرِ النصِ القرآنيِ المأخودْ منْ سورةِ يوسفْ ونفسِ الشيءِ عندما يستعملُ جملةَ سنواتِ عجافِ التي نجدها بالنصِ القرآنيِ بسورةِ يوسفْ : ( وقالَ الملكُ إني أرى سبعُ بقراتِ سمانْ يأكلهنَ سبعَ عجافِ وسبعِ سنبلاتِ خضر وأخرَ يابساتً
(( أضغاثُ أحلامي 000 تكادَ تفتكُ بمناماتي 000 رأسي يدقُ الماءُ 000 عابرينَ يعبثونَ بثرثراتٍ خاويةٍ 000 رأيٍ على قيدِ التفسيرِ 000 بعدِ سبعٍ منْ رخاءِ 000 ومثلها عجافِ 000 بيادرْ السنابلِ 000 تختبئ تحتَ أقبيةِ الأمانِ))
أننا أمامَ لوحةٍ تجريديةٍ استطاعتْ الشاعرةُ عطاءَ محمدْ رسمها بالكلماتِ بدلاً عنْ الالوانْ وظفتْ الأشكالُ الهندسيةُ مستعينةً بها لتوحيَ لنا هذهِ الأشكالِ المنفردةِ مرةً ومتداخلةً معَ بعضها مرةً أخرى عنْ حجمِ المعاناةِ والتشظي في الذاتِ الشاعرةِ هذهِ الصورِ التشكيليةِ كانتْ تريدُ منْ خلالها جماليةٌ شكليةٌ لكونها تمتلكُ منْ الدلالاتِ الرئوية والتعبيريةِ الصوريةِ ما يمنحها عمقا وصراعا مستمرا داخلَ النصِ وكذلكَ رؤيةُ جدليةِ ما بينَ الذاتِ المقهورةِ والواقعِ الشرسِ
((تشاغبني حماقاتكَ 000 اضحكْ في سريٍ مطالبةً بالمزيدِ 000 ذاكرتي مرقنة 000 تبحث عنْ سنينَ 000 ابتلعها العمرُ بلا رحمةٍ))
أنَ الحسَ الرومانسي تمظهر في خاتمةِ النصِ الشعريِ في القيمِ الإنسانيةِ البارزةِ في ثنايا القصيدةِ حيثُ أحسنتْ استخدامَ اللغةِ لتجعلَ منْ هذهِ القصيدةِ لتكونَ فنيةً راقيةً لتجعلَ منْ قراءتها عملاً شاقا لعمقِ أغوارها على صعيدِ الفكرِ والروحِ لأنَ غيمتها تعلنُ عنْ بدءِ هطولٍ ليسَ للمطرِ فقطْ بلْ لموعدٍ آخرَ معَ الحياةِ غيرِ متوقعٍ ولا على بال الانتظارِ الذي لمْ تملهُ الروحُ ولكنها اعتادتْ غيابَ الانتظارِ منْ كثرةِ ما انتظرتْ وقدْ أصابتها حمى الهجر والفقدِ والغيابِ وهيَ تحصنُ نفسها في ( سورةُ الفلقِ ) للالتجاءِ إلى اللهِ والتحصنِ بقدرتهِ منْ شرِ الخلقِ ومنْ شرِ الظلامِ إذا انتشرَ وغطى الكونُ ومنْ شرِ الحسودِ إذا وجهَ كيدهُ للحسدِ وهي معَ نفسها تعتقدُ
إنها مبتلات منْ الربِ وتعتقدُ أنها في خطيئةٍ وتعاقبَ بلْ قدْ يكونُ الابتلاءُ دليلَ محبةٍ منْ اللهِ تعالى ( وإنَ اللهَ إذا أحبَ قوما ابتلاهمْ ) ((غيمتي 00 تنجبُ مطرَ ناهمْ 000 يلتهم روحكَ 0000 احملْ حروفي تمائمَ الفلقِ 0000 فتزورني حمى هجركَ 000 بلا رحمةِ 000 هلْ كنتُ خطيئتي ? فعاقبني الربَ بالابتلاءِ))
فإلى أيِ حدٍ نجحتْ الشاعرةُ عطاءَ محمدْ في تطويعِ نصها الجديدِ
وإلى أيِ حدٍ نجحتْ في صياغةِ شعرها على النحوِ الموسيقيِ الذي يتناسبُ وخلجاتِ نفسها ودفقُ مشاعرها ؟ الناقدُ أياد النصيري رافقَ تجربةَ الشاعرِ عطاءَ محمدْ نقديا منذُ أنْ اكتشفَ في حوزتها نصوص ترتقي لجماليةِ النقدِ الشعريِ وجاءَ فيها ( ( أنها شاعرةٌ تعرفُ حدودَ اللغةِ وحدودِ عناصرِ التشكيلِ الشعريِ على نحوٍ أصيلٍ متمكنٍ لكنَ التمعنَ جيدا في ما كتبهُ منْ شعرٍ يكشفُ عنْ حساسيةٍ خاصةٍ ونوعيةٍ في نظمِ الصوغِ الشعريِ وآلياتهِ التعبيريةِ والتشكيليةِ فلغتها الشعريةُ منتقاةً بعنايةٍ تستجيبُ لأفقِ التجربةِ وتعبرُ عنْ جوهرِ الفكرةِ بقوةٍ وسلاسةٍ وجمالٍ . ) ) ولهذا منْ خلالِ قراءتي لعدةِ قصائدِ الشاعرةِ وجدتْ لدى الشاعرةِ مزاج خاصٍ في صناعةِ صورٍ شعريةٍ مبتكرةٍ تجتهدُ في أنْ تصلَ إلى منطقةِ التلقي بيسرٍ وسهولةٍ وفنِ وثمةَ تفاعلٌ كبيرٌ دائما في قصائدها بينَ اللغةِ والصورةِ والإيقاعِ وبعد هذهِ القراءةِ اتركْ المتذوق للشعرِ معَ قراءتي النقديةِ البسيطةِ وقدْ توخيتُ أنْ أقدمَ هذا النصِ الشعريِ وعلاقتهِ بالشاعرةِ وأقربها إلى روحها- القصيدةِ أخذتنا منْ أنفسنا للبعيدِ ودعتنا للإبحارِ في ذاتِ الشاعرةِ والكشفِ عنْ بعضِ اللآلىءْ التي تخفيها ما بداخلها وهنا . ينبغي الالتفاتُ إلى طاقةِ عطاءِ محمدْ الشعريةِ والاحتفاءِ بها إنسانةُ وشاعرةُ مبدعةٌ
نصُ الشاعرةِ عطاءَ محمدْ
*******
أرتقْ لغةُ الصمتِ برجفةِ شفاهِ لحظةِ الولهِ أقضمها خوف أنَ تفضحتي أسرقُ بعضا منْ ابتساماتِ اللحظةِ أكيلها بصواعْ أيامي أخبئها براحلةٍ القدرِ ارتمى كزليخة في أحضانِ العشقِ واقدْ قميصُ الصبرِ محاولةَ كبحِ مشاعرِ الروحِ تنهالُ على تهمٍ ترديني قتيلة أمامَ محكمةِ الجبروتِ مهلاً . . . إخوةُ الغدرِ ما هكذا تماهينا الوساوسَ . . . الغورُ . . . والذئبُ فاقَ تفكيرهما الشيطانُ براءةً منْ اللهِ أضغاثِ أحلامي تكادُ تفتكُ بمناماتي رأسي يدقُ الماءُ عابرينَ يعبثونَ بثرثراتٍ خاويةٍ رأي على قيدِ التفسيرِ بعدَ سبعٍ منْ رخاءِ ومثلها عجافِ بيادرْ السنابلِ تختبئُ تحتَ أقبيةِ الأمانِ . . . تشاغبني حماقاتكَ اضحكْ في سريٍ مطالبةً بالمزيدِ ذاكرتي مرقنة تبحثَ عنْ سنينَ ابتلعها العمرُ بلا رحمةِ غيمتيَ تنجب مطرَ ناهمْ يلتهمَ روحكَ احملْ حروفي تمائمَ الفلقِ فتزورني حمى هجركَ بلا رحمةِ هلْ كنتُ خطيئتي فعاقبني الربَ بالابتلاءِ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق