دراسة: الدكتور حمزه علاوي مسربت . العراق . بابل .
الى الذي لن انساه في ذكرى رحيله الأولى المرحوم فاضل الشاوي
ظننتك تصحو
من خلف ذاك الزمان
من صبر تلك العيون
من وحشة الليل..
وخوف المكان
كم غاب غيرك وارتحل
كم فارقت عيني عزيز
لم اشعر بغيبته
سجاياك مازالت مرايا
تشتهيها العيون
حكيتها للجميع
مازلت توقد أحزاني
قمراً من دموع
تطل على فجر عيوني
فتحاصر هواجس الفقد...
آخر الليل
يالهيب القلوب ..
مازلت يتيمك المستباح
مثقل بالجراح
ارتديتها...
مثقلة.. جراح فوق جراح
تحاصرني الذكريات..
كل مساء
هل لمحت الوجوه ...
ساهرة في العتاب الطويل
هل ماتزال تصر على الرحيل الطويل
عميقة هي الاشجان
الموت سارق الأفئده
غداة افترقنا
وانا تطاردني أحلام المفجوع
على دوحة من ظلام
ياغربة الروح ..
ووجع الحنين
آه لو أن السنين..
تأكل حزن الضلوع
آه لو أن الدعاء
يعيد للاموات ...
اختلاجات القلوب
ونفس من الهواء
آه لو تجاورنا هناك..
عند وقع اللحود
ونسمع اصواتنا من قريب
ايها الراقد هناك.. هناك
اكتب لك مع العابرين
لك الخلود ...
لك الخلود ...
تناولت القصيدة عالمين : العالم الدنيوي والعالم الآخروي ، فما بين زمان الامس وزمان اليوم .. الانتظار والوداع ..المتناهي واللامتناهي ..المرئي واللامرئي ،استوطنت ظنون الشاعر عند صلب ذاكرته وراحت خيالاته تنسج من وهن الضياع بساطا كي تغفو وتترنح على وسادته الاحلام والذكريات . اراد الشاعر ان يخلق من اللاشيء شيء من الامنيات التي ساقها قدرها الى عالم الخلود .. فما بين الحقيقة والوهم بدأت الشكوى والمناجاة والنحيب الصامت ، الساكن خلف شغاف القلب ، بين اجفان اذبلها الظمأ وأوحشتها رؤية من سلى القلب ما بين الصحوة والرحلة السرمدية ، لم يعد هناك من كان شاخصا وظلا لا يفارق الجسد ، ولم يعد هناك سوى شاخص القبر .. لم يعد للشاعر مساحة تأويه ليناظر من سار وركب نعش الموت . غابت في محراب عيني الشاعر نشوة اللقاء والسمر ودكت مضاجع روحه وحشة الليل بغياب القمر الذي كان ينثر شذرات الضياء لينير طريقه الذي استوحشه ... لم يعد له سوى الاشواك تنخر موطأ القدم .. عجت القصيدة بصراع بين الظاهر والباطن .. بين الزمان ووحشة المكان .. بين الحس والادراك الذهني ؛ لهذا عمل الشاعر على خلق فضاءا وجدانيا يشارك احساس المتلقي ، وايضا عمل على تكرار الكلمة كي يعطي المتلقي فسحة من التخيل والتصور ويزيد من دلالة البعد النفسي ؛ فضلا عن خلق تناغم موسيقي يعزز البناء الشعري للنص . استخدم الشاعر النفي لغيبة من رحل عنه كي يعزز التعاطف و خلق مساحة توازن عالم الرحيل ؛ من هنا عزز تأكيد ذاته ووجود الاخر ، ولهذا جاءت المرايا لتؤكد الزمن الغائب والحاضر في مساحة البصر والبصيرة . طرحت القصيدة انزياحات لفظية ، فبدلا من ضياء القمر استخدم الدموع لتؤكد دلالة الحزن الذي ينير وجهه ؛ وكذلك استخدم آخر الليل كي يودع حواره مع من غادره ، وانبلاج الفجر الذي يبدا رحلةطأطأة اشرعتها تأبينا للحزن ودرات دفتها هواجس الفقد . اصبح الشاعر يتيم الصحبة والبصر تزفه الهواجس الى عالم من هذيان الجنون تارة ومياسم المتاهات تارة اخرى ؛ وانحى الجسد كإنحاء برج الزهرة من لفحة حرارة الانفاس ، ولم يعد للروح نسغا تستسغه عند الفجر . توسم المحراب ليشكوا لربه عن روحه التي خفقت قربان لوفاء صدق الصديق . ذابت شمعته ولم يعد للاحتراق انبعاث.. ولم يكن هناك لقاء سوى يوم الحساب . غادر طير السنونو منزله ، وغابت انغام صوته ، وحلت مكانها رياح زقزاقة النغم ، ولم يبقى سوى اطلال الغرين والعود المركون في زوايا اضلع صدره ؛ يترقب ريحا بليلة لعلها تندي ظمأ بلسمه . فما بين السهر والرحيل شيدت اسئلته الاستفهامية كي يعطي دعوة للمتلقي ان يشاركه الهموم ، ويعزز عمق الدلالات اللفظية ، وتحقيق استفزازات حسية لمن يناظره . سكنت ما بين غربة الروح ووجع الحنين زفرات الانين والاجفان المفجوعة بالدمع . استخدم الشاعر تكرار كلمة (آه) كي يعطي للنص توازنا نغميا حزينا ويلهب مشاعر الآخرين ، والحفاظ على النسق الشعري . دب اليأس في فؤاده ، لم يعد هناك من يسير بما تشتهي الامنيات ؛ وعليه تقبل القدر والعيش في دوامة هوجاء مترامية الحدود لا يرى منها سوى الحجر الشاخص الظاهر للبصر والروح التي استوحشتها ظلمة السرداب فاقدة النطق مع من يحاورها عند موضع الحجر . فمن اضلعه خط لحدا لقلبه المفجوع ، ومن يده شيد لحدا آخر لروح عزة عليه ورحلت الى عالم الخلود اللامتناهي . رفد الشاعر قصيدته بخلجان من الخزن عبرت دلالاتها عن الفراق ورحيل الاحبة . انتقل الشاعر بكل احاسيسه ومشاعره الى لحد الفقيد يساكنه ويحادثه ويمنحه امتدادا حضوريا يواجه به الموت والفناء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق